تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


طاغور .. الروائي

كتب
الأربعاء 28-3-2012
نشرت رواية رابندرانات طاغور (البيت والعالم) أولاً مسلسلة في الصحف ثم في كتاب عام 1916.

يظهر في هذه الرواية ثلاث شخصيات رئيسية مهمة ستكون أقطاباً لمثلث غرامي‏

يشمل: بيمالا زوجة المهراج نيكهيليش وهو أرستقراطي، ذو ثقافة إنكليزية مع رؤى وآراء ليبرالية وإنسانية وعالمية، أما سانديب، الرجل الثاني في حياة بيمالا هو صديق نيكهيليش، فهو بليغ وعدواني فتن الزوجة.‏

بين هذا التفاعل بين الشخصيات الثلاث وتشكل حول بوح ذاتاني متوجه إلى القراء وإلى شخصيات الرواية، وازداد وتوسع بشكل خطر ضمن وضع متفجر من القضايا.‏

هذا الاتجاه الأليم المتوقع لحياة إنسانية خيالية يضم إلى مسار تاريخ الأمة المتقلب الذي تستعيده الرواية.‏

العديد من مبادئ نيكهيل في هذه الرواية هي صدى لأفكار طاغور الشخصية التي توحي بمفهوم أوسع للأمة من ناحية البناء النظري في بحثه (القومية في الهند) عام 1917.‏

وفي ميدان المرأة تلقف هذه الرواية مبادئ ترقية بسيطة للنساء لكنها تحقق قفزة جبارة للجنس اللطيف في البنغال، على أقل تقدير لأولئك النساء الثريات بالولادة والمتمتعات بامتياز في التربية وبزواج متساو نسبياً، وتتميز أيضاً بالحساسية - الجندرية كما في روايات طاغور الأخرى وقصصه القصيرة، أراد نكهيل من بيمالا أن تتجاوز عتبة نساء الحي وأن تتحرك بحرية في قاعة الاستقبال، حيث فيها يمكنها أن تجتمع بأصدقائه وأن تهتم بقضايا أكبر من توافه الحياة المنزلية، رغم مقاومتها في البدء، رضخت بيمالا للدافع الشخصي عندما عبرت عن رغبتها في لقاء سانديب الذي رأته أكثر حماساً وإبهاراً وسحراً من زوجها الساكن المعتدل.‏

شاركت بيمالا، وبراحة تامة، في مناظرات ونقاشات في حفلات استقبال رسمية مع سانديب بعد استهانتها بنظم الأجنحة الداخلية في البيت وبواجباتها المنزلية الرتيبة، وبالتالي اكتسبت بجهدها ثقافة بانية لنفسها ركناً خاصاً كمحراب في نطاق عالمها المنزلي والاجتماعي والسياسي، بل وأكثر مغزى من ذلك ساعدت في تكوين أفكار مستقبلية ومثل وقيم للأنوثة الهندية بل للصفة النسوية الهندية عامة، هذه المعادلة الجندرية الجديدة بين بيمالا ونيكهيل والتي بادرت بالخطوة لأولى منها بطريقة صحيحة عندما دعت سانديب بواسطة زوجها فأعطت بذلك استقلالية ذاتية لنساء عصرها، وطرحت فوق ذلك (مفهوماً بديلاً للذكورة ومفهوماً جديداً لمنظومة القيم بكاملها كي تكون أكثر ملاءمة للرجولة الحقيقية).‏

استمرت التقنية الروائية المبتكرة في هذه الرواية بجذب اهتمام النقاد كما اهتمام القراء العلمانيين، ودعمت شعبيتها عبر الزمان، وفي هذه الرواية، هناك أيضاً ممارسة لأشكال بارعة متنوعة من السرد بصيغة المتكلم بمعزل عن تشابك السرد لأبطال الرواية الثلاثة والذي فيه يروى الحدث الواحد من منظورين مختلفين، كان نيكهيل وسانديب يكتبان في الجرائد والمجلات بشكل غير منتظم بينما تحتل بيمالا موقعاً متميزاً في البنى السردية حيث تراجع باستمرار ما قد حصل مؤخراً، مجهزة بمعرفة النتيجة المأساوية المحتملة، الرواية تعطينا نظرة خاطفة على (العالم) بالنسبة لبيمالا عبر مكتب نيكهيل، بواسطة ردود فعله على المحن والكوارث التي اعترضت حياة يونشو، هي مبنية على حساب الفردية أبطالها أكثر مما في تحركيهم أو من سير الأحداث فيها، ويعلم نيكهيل في منتصف الرواية عن كفاح بونشو من أجل البقاء، بينما هو يندب باستمرار فقدان حب بيمالا وتعاطفها، فيثيره هذا الموضوع كثيراً لدرجة يجعله يعي أن هذيانه من جراء حرمانه من الحب هو نوع من الانغماس الأناني في الملذات بينم هناك حقائق ووقائع تحتاج اهتمامه المباشر بشكل ملح، وهذا ما أشغل في داخله عاطفة ودية شفوقة جعلته يصرف النظر عن خسارته وفقدانه لحبه غير المهم والذي هو ثانوي بالنسبة إلى المهمات التي تتطلب منه إعادة بعض من كرامة المحرومين، فنيكهيل هو الناطق بأفكار طاغور، وقد تم ترسيخه أبعد من الحدس، لكن نادراً ما ذكر في النقد أنه مركز الصراع في الرواية أكثر مما هي عليه بيمالا.‏

يبدو أن نيكهيل يلعب دوراً محورياً بالغ الأهمية في حل عقدة الرواية والوضوح النهائي رغم أن حديثه بصدد قصته الذاتية هو الأكثر تجزئة، فهو يريد أن يدفع تدريجياً بالمهمشين إلى داخل التيار الرئيسي.‏

منارة الهند‏

أسس طاغور مدرسة تجريبية في (سانتاكاتيان) حيث سعى من خلالها إلى تطبيق نظريته الجديدة في التربية والتعليم وذلك عبر مزج التقاليد الهندية العريقة بالتقاليد العربية الحديثة واستقر مبدئياً في مدرسته التي تحولت عام 1921 إلى جامعة باسم (الجامعة الهندية للتعليم العالي).‏

على الرغم من غزارة إنتاجه وتنوعه، إلا أنه لم يكن معروفاً تماماً خارج محيطه، لكن هذا الوضع تغير فجأة وبدا أن الشهرة على الصعيدين المحلي والعالمي كانت تتحين الفرصة لتطرق بابه، ففي عام 1912 سافر إلى بريطانيا للمرة الأولى برفقة ابنه منذ أن ترك الجامعة وفي الطريق بدأ يترجم آخر دواوينه (جينجالي) إلى اللغة الإنكليزية، وكانت كل أعماله السابقة قد كتبت كلها تقريباً باللغة البنغالية، ففرد ترجمة المجموعة الأخيرة من باب التسلية لقتل وقت السفر الطويل بحراً، عند وصوله إلى إنكلترا.‏

فظهر ديوان (قربان الأغاني) باللغة الإنكليزية في أيلول عام 1912، فوجد الغربيون أنفسهم أمام لمحة موجزة ومكثفة من الجمال الصوفي الذي تختزنه الثقافة الهندية في أكثر الصور نقاء وبوحاً ودفئاً، فقد عكس شعر طاغور حضوراً روحياً هائلاً وحوت كلماته المنتقاة بحساسية فائقة جمالاً غير مستهلك لم يكن أحد قد قرأ شيئاً كهذا من قبل.‏

في هذا الدور ظهر طاغور بمظهر البطل الشرقي الفاتح فلهجت بذكره الألسن وتحدث في المجالس بنبوغه الفكري وفنه الأدبي الشعري.‏

نال طاغور جائزة نوبل للآداب عام 1913، وكان بذلك أول أديب شرقي ينالها.‏

أمضى طاغور ما تبقى من حياته متنقلاً بين العديد من دول العالم، آسيا وأوروبا، والأميركيتين لإلقاء الشعر والمحاضرات والاطلاع على ثقافة الآخرين كل ذلك دون أن ينقطع عن متابعة شؤون مدرسته، لقد أبدع على مدى نحو ستين عاماً، حتى قال عنه غاندي إنه (منارة الهند).‏

قدم للتراث الإنساني أكثر من ألف قصيدة شعرية و25 مسرحاً والعديد من الروايات والقصص.‏

خرج طاغور من مجال الخيال وكتب عشرات الكتب والمقالات والمحاضرات في الفلسفة والدين والتربية والقضايا الاجتماعية وبحوثاً وكتباً في علم اللغة، وإلى جانب أعماله في السير الذاتية، هناك مذكرات رحلاته وبحوثه ومحاضرات جمعت في مجلدات عديدة منها (رسائل أوروبا).‏

كان طاغور أيضاً مصلحاً ثقافياً أجرى تحديثاً على الفن البنغالي برفضه كل القيود التي كانت تربطه بالأشكال الهندية الكلاسيكية، وجدد في الموسيقا وله أكثر من ألفي أغنية، اثنتان منهما أصبحتا النشيد الوطني لكل من الهند وبنغلادش، وإلى جانب عبقريته في الأدب اتجه إلى الرسم الذي احترفه في سن متأخرة نسبياً وهو في الستين من عمره فأنتج آلاف اللوحات وأقام العديد من المعارض الناجحة أحدها في باريس.‏

كان يقول في موضوع الرسم: (عندما بدأت أرسهم لاحظت تغيراً كبيراً في نفسي، حيث بدأت اكتشف الأشجار في حضورها البصري، وأرى الأغصان والأوراق من جديد، والأزهار تنبثق في كل فرع من فروعها، وصرت أتخيل خلق وابداع الأنواع المختلفة منها وكأنني لم أر هذه الأشجار مطلقاً.‏

بقي غزير الإنتاج حتى الساعات الأخيرة من حياته، توفي بسبب فشل عمل جراحي في السابع من آب عام 1941، وهو في سن الثمانين.‏

الكتاب: البيت والعالم، رواية تأليف رابندرانات طاغور، ترجمة: د.ماري شهرستان - صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، قطع متوسط في 333 صفحة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية