تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سيرغي يسينين وتحفيز الذاكرة الشعرية

ملحق ثقافي
2012/11/27
شاعر مكشوف في اتجاهاته الشعرية، لا يستخدم الفلسفة طريقاً إلى الشعر، ولا يحوك الألفاظ كي تسود السوداوية عالمه، ولا معوقات أمام دفقه الشعري، وقد تكون الواقعية التي تميز بها الأدب

الروسي وأنجبت عمالقته في الشعر والقصة والفنون الأخرى قد انصهر يسنين في بودقتها الشعرية، فروسيا الفسيحة، روسيا الثلوج والقمح والجبال والأنهر والقرى، روسيا الموقف المتصارع لما يقارب زهاء قرن من الزمن لصراع الشغيلة وبؤس طبقة الفلاحين، روسيا الرايات الحمر والقطارات ودخان المصانع، قد هيئات موجوداتها المجانية لهذا الشاعر سلفاً.‏

كان اشتغال يسينين في موجودات بيئته تحفيزاً لذاكرته الشعرية على إعادة تمثيل وإعادة هضم الرؤى الشعرية التي تنافست لإصطياد الصور الشعرية المعبرة بلغة أمينة يستسيغها الجميع ويتوقع منها الكثير. كانت لغة يسينين لغة مناجاة لكل الأشياء التي كانت تعيش محيطه الروحي ومنها كان يتحرك بانتقالات يتوسع فيها الى ما يريد، وكان شعره حداء كونه أولع في طفولته بالأغاني الشعبية وكان مقلداً ومردداً ومعيدا لتلك‏

الأغاني ومعجباً أيما إعجاب بغوغول ومستكشفاً طرقاً أخرى وليست مشابهة لتلك التي كان يسير بها الكسندر بلوك، لقد أحب يسنين قريته التي هجرها لكنه لم يهجر ذاكرته فيها وبقيت الوحشة السيد المتسلط على روحه التي تراكمت عليها كما يقول في «أشجار البطم والثلوج»:‏

أما الأن/ فلا تزال العاصفة تعصف/ وكأن تلك الندَّبة / العاصفة اللئيمة / تغني كألف قندلفت / ويتراكم الثلج / كأعقاب الخنازير/ وليس خلف التابوت/ صديق ولا زوجة.‏

توج يسينين ذاكرته تلك بذاكرة الترحال فازدحمت تجربته الشعرية هذه المرة بدلاً من أدوات الاستفهام عبر أسئلته التي أكثر من التساؤل عنها الى توصيات لنفسه بالثبات والتوقف أمام مفهوم اللاجدوى، فهو عندما كان يبدأ بالأمل المفقود وباللامخرج وبالضيق من مسافات العالم المتلاصقة سرعان ما يخرج من بين تلك الصور الشعرية صوراً تدعو الى الترقب والانتظار، صوراً رقيقة ناعمة لكنها لا تريد أن تكشف جولتها المرتقبه مع هموم الحياة وقساوتها:‏

أدعك الرسالة / وأغوص في رعب عميق / أحقا ليس لي مخرج / في طريقي المنشود / ولكن / كل ما أفكر به / سأحدثكم عنه لاحقاً / سأتحدث عنه / في رسالتي القادمة.‏

لقد شكل الحزن جرحاً عميقاً متدفقاً بالآلام مزدحماً بصور الأزهار الذابلة والأسيجة الخشبية المتهدمة والمحراث المنكسر والحصان الثقيل، وقد اشترى الشال الذي أوصته أمه لها والسروال لوالده وبقيت الرسالة التي أرسلتها له أمه على الطاولة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية