تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


شاعر وقصيدة.. توفيق أحمد.. والشعر الطالع على جبال الريح

ثقافة
الاربعاء13-4-2016
علي الراعي

بصوتٍ نائسٍ يصيرُ مناجاة، كأنه ترانيم صلاةٍ لراهبٍ في خلواته وتأملاته القصيّة، تنوسُ قصائد الشاعر السوري توفيق أحمد بين الأشكال الشعرية كلها، قديمها المُغرق في كلاسيكيته البعيدة، وبين شكلٍ شعري معاصر عن قربٍ شديد.

‏‏

بين موزون يوشيه بأجمل القوافي، وتفعيلةٍ وثابةٍ توسع بين مضائق البحور، وقصيدة نثر تلتقطُ أجمل ما في يومنا.. غير أنّ ثمة خيطاً سيبقى على مدى البياض، يُزخرفُ فيه توفيق أحمد قوله الشعري في كل تشكيلات وأشكال ما يقدم، خيطُ إبداعيٌّ يُبرز بصمته التعبيرية التي تخصُّ توفيق أحمد وحده بكل حميمية الآن وهنا.‏

من هنا تبدو تجربة الشاعر توفيق أحمد تأتي بكامل نضجها الجمالي، وحرفيتها التقنية، حيث تمشي القصيدةُ الهوينى بين جمالية الإبداع ومتعته، وبين تقنية فن الشعر تساوقاً، لإنتاج قصيدةً متينة في عمارتها التقنية وبين مجازها الشعري العالي.‏

بهذه الصيغة، يُصدرُ توفيق أحمد منجزه الشعري منذ ما يُقارب من عقودٍ ثلاثة، بهذا الميل صوب التأمل، والنوسان الهامس، يوزع الشاعرُ بوحه من خلاله إلى بلادٍ ومدن وقرى ناعسة في المنحنيات والسفوح، وإلى أشخاص وأصدقاء، وحبيبة. أو يذهبُ صوب حالات إنسانية فلسفية، وواسعة وسع سورية والكون.‏

عدّته في ذلك مرجعية ثرية، تبدأ من ذائقة بعيدة لإيقاعٍ شعري قصي لايزال يُكيّف نفسه ليكون وعاءً لكل حداثة قادمة، وذاكرة بصرية ريفية لاتزالُ ملونة بكل ماحوت الدروب والمواسم والحفافي وأكتاف الجبال، يصيد من خلالها الجمال كما صيد الفراشات يقول: «كتبت الشعر من أجل البحث عن الجمال ومكنونات الأشياء التي يرغب أن يجدها الإنسان، ويحتفي بها، ومن أجل أن أحلق بعيداً عن الواقع لأصل إلى مرتبة الشعر.» وأما لجهة حبل المشيمة الذي بقي معلقاً به على أطراف «الغاب» فيذكر: «منذ بواكير قصائدي؛ كان لديّ نزوع باتجاه استحضار المكان الأول الذي شهد تفتح وعيي وطفولتي وشبابي، وأقصد هنا الريف بما يحمل من حميمية وسحر الطبيعة الخلابة، مفردات هذا المكان تعددت كثيراً، لكن كان البيت الترابي، وأشجار البلوط والسنديان، والجداول المنسابة والينابيع المتدفقة، والطرق والدروب الترابية الأكثر حضوراً في قصائدي، وأظن».‏

بهذه العدّة الشعرية يصدر توفيق أحمد ما يُقارب من عشر مجموعات شعرية بدأها بـ: أكسر الوقت وامشي، لو تعرفين، نشيد لم يكتمل، لا هدنة للماء، جبال الريح، حرير للفضاء العاري، وغيرها.‏

واليوم نقرأ له اليوم في ديوان الشعر السوري الجديد ماتيسر من قصارى القصائد:‏

ألوان‏

عندما تسرقني الزرقةُ في البحر‏

تصبّ الماء والنفي على فيض جروحي‏

يتمطى من عميق الحسّ في صدري إلهٌ‏

كاشفاً زرقة روحي.‏

تلك الليلة‏

ألستِ بعينيكٍ أشعلتِ فيّ الشرارة؟‏

داعبتِ أمواج عشقي‏

أزحتِ عن النافرين الصبييّنِ‏

تلك الستارة.. وذبتِ بأيامي الصُفر‏

ذوْبَ التهاويم في يبس القلب‏

صرتِ الإثارة.‏

قلبي عليك‏

وتهلُّ يا مطراً شريفاً فوق صحرائي‏

فيزهو نخلُ غربتي الذي هم‏

غرّبوهُ..‏

إنه النخلُ الذي ينسابُ في الأرض‏

الطهورة‏

منذ بدء الخلق‏

حيث البيّنات.. يؤكدُ المعنيّ منها.‏

حوار معاصر‏

قالت: أتولدُ بالحرام قصيدةُ‏

قلنا: نعم؛‏

وتفوقُ كلّ مجال الشعر ينبضُ دافئاً‏

ومجاله المألوف صار مجالي‏

بحرامه تغدو الحروفُ قويةً‏

فتكسرُ العاتي من الأغلال‏

أو ما تعبنا من ديار عنيزةٍ‏

ووقوفنا زمناً على الأطلال؟‏

نحن ابتداع العصر، وتزاحم الأرتالِ.‏

بيت الطين‏

بيوت الطين الشامخة على تلك القمة‏

وبقايا الخبز في تنانير الحارة‏

وساديَّتي مع بنات الجيران‏

أَخَذَتِ الراهن ليصب في طفولتي‏

كم أتشهَّى ذلك الوضوحَ البعيد.‏

أنا من هناكَ‏

أتيتُ يلبسني الشجرْ‏

وتركتُ أهلي؛ الموتُ خبزهُمُ الوحيدُ‏

وماؤهمْ عشقُ الجليلْ‏

وأنا من الجيلِ الذي صبغَتْ طموحَهمُ الدماءُ‏

تقطّعتْ كلُّ الدروب بهمْ‏

وما انقطع الرجاءُ‏

لا النفيُ أوقفَ نَزْفَ وردتهمْ‏

ولا حتى السماءُ.‏

مفاتيح للغيم‏

متبرّئاً من ملح صوتك جئتُ أروي قصتي للحبرِ‏

كم في اليوم أو في الشهر‏

هذا النافرُ الغجري‏

يجمحُ في فضاء أصابعي‏

يا أنتِ يا فرساً من القمح المذهّبِ.‏

كيف جئتِ..؟‏

alraee67@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية