تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


على خطا بطرس الأكبر؟

عن موقع : Le grand soir
ترجمة
الأثنين 12-3-2012
ترجمة : دلال ابراهيم

بعد أن هضمت الولايات المتحدة الإهانة الموجهة إليها من قبل بوتين , التي جاءت عقب السنوات الذهبية لعهد غورباتشيف ويلتسين المفضية إلى تسريع الانهيار الروسي لغاية حدوث التشظي المقبل لروسيا وفقاً للحلم الذي وضعه زبيغينو بريجنسكي في رقعة الشطرنج الكبرى ,

صارت تكظم غيظها على مضض أملاً منها في التخلص من بوتين كما تخلصت قبله من الجنرال ديغول عام 1969 . ومن هنا تأتي محاولاتها المستميته اليائسة لإشعال ثورة برتقالية في روسيا من خلال السفير الأميركي الجديد في موسكو ماك فول, وهو الذي يطلق على نفسه اسم « خبير في الديمقراطية , الحركات المناهضة للديكتاتوريات والثورات .»‏

وقد عملت وسائل الإعلام الغربية من المعارضة الحالية في روسيا ذات النزعات المتعارضة كلياً داخل صفوفها والمفتقرة لزعيم لها أو وحدة تضمها مادة مهمة لها , وهذه المعارضة تشبه في الواقع الجيش الغريب غير المتجانس لبورباكي وتدعونا للتفكير بخرافة دولافونتين في قصة ( الضفادع التي تطلب ملكاً ).‏

ولا تدعم الشعوب في الديمقراطيات الغربية طويلاً رجال الدولة الذين يملكون رؤية تاريخية , ومطالبين بالتحلي بالقوة وبالجهد والمثابرة والشجاعة ليس في النهوض ببلادهم فحسب , إنما تنمية وتطوير بلادهم وقدراتها . بل تفضل هذه الشعوب الاهتمام بمواضيع مثل : أوقات اللهو , التقاعد في سن الستين , تحديد ساعات العمل 35, الاسترخاء والدين العام الوقح , وهذا بالنسبة لهم أسهل طريق للانتخابات .‏

ويحضر هنا كليمنصو وتشرشل وديغول من أجل أن يشهدوا على هذا النزوع للديمقراطيات الغربية وهم يستمعون إلى دالادييه وشامبرلين وميتران أو هولاند حتى الأسلوب الساخر الطوباوي لجان لوك ميلينشون بدلاً من أن يضعوا المواطن أمام مسؤولياته نظراً للواقع الجيوسياسية والاقتصادية .‏

وبالتالي فإن الولايات المتحدة كانت تعتقد أنها ستعمل من ميدفيديف غورباتشيف جديد , يذهب معهم تحت راية التطور الاقتصادي وحرية التعبير وحقوق الإنسان في روسيا وبتشجيع ومديح غربي إلى إنهاء عمل التدمير الشامل لقوة الاتحاد السوفييتي التي بدأها غورباتشوف , والذي يلقى شعبية عريضة في كل العالم , ما عدا في بلاده .‏

والخطأ الجسيم الذي ارتكبه ميدفيديف , في ظل غياب استخدام روسيا لحق النقض الفيتو خلال العدوان العسكري المشين ضد ليبيا المتستر بقناع إنساني , حمل الآمال العريضة للغرب والولايات المتحدة .‏

وحاول آلان جوبيه البارع في هذا المجال , لعب نفس الخدعة مع روسيا في الشأن السوري , إلا أن بوتين الذي استعاد السيطرة على السياسة الخارجية أحبط ببصيرة نافذة خطط العم سام في سورية والشرق الأوسط . وأصبح بإمكان هذا القادم إلى الكرملين عبر أصوات 109 ملايين روسي أي بنسبة 63% من الأصوات إحباط مخططات تطويق الولايات المتحدة لروسيا والصين لمدة اثني عشر عاماً .‏

وبوتين هو الرجل الذي لم تكن في انتظاره الولايات المتحدة , والذي لم ينهض بروسيا فحسب بل حماها من التقسيم إلى ثلاثة أجزاء . حيث الحلم الجيواستراتيجي الأميركي، كان يقوم على أساس تحويل روسيا في حال هزيمتها في حرب الشيشان إلى بولونيا الكبرى الجديدة . كما عارض بوتين وبنجاح استغلال مجموعات أجنبية للثروات الروسية , وكان قد أفصح عن هذا الهدف ميخائيل خودوركوفسكي , مدير شركة يوكوس , والذي تم اعتقاله في مطار سيبيريا في تشرين الأول عام 2003 بعيد مشاركته في منتدى لرجال الأعمال في موسكو بصحبة لي ريموند أحد مديري شركة اكسون الأميركية التي كانت تنوي المساهمة بنسبة تصل إلى 25 مليار دولار عبر دمج شركة يوكوس- سيبنفت .‏

ومن هذا الجانب أبدت شركتا اكسون موبيل وشيفرون- تكساكو عزمهما على المساهمة بنسبة 40% من النفط والغاز السيبيري . وبالتأكيد كانت ستفقد روسيا من خلال فقدانها للمصادر المالية , أي فرصة لها في النمو .‏

واستطاع بوتين بنجاح من الاحتواء ولكن دون كسر الطوق المفروض عليه من قبل الناتو وخط أنابيب باكو- تبليسي – جيهان . ومع عودة مشروع الدرع الصاروخي الأميركي تلقى الولايات المتحدة الأميركية خصماً لدوداً وشرساً أمامها . والمظاهرات المناهضة لبوتين في الوقت الراهن ليست أكثر من أغنية البجعة في اللحظات الأخيرة للغرب الطامع في هز استقرار روسيا ومحاولتهم الأخيرة لهزم بوتين . وقد ارتكز بوتين في سياسته , كما الزعيم الفرنسي ديغول على القيم التقليدية : الشعور بالعظمة , الوطنية والكنيسة الأرثوذوكسية لوأد الفوضى .‏

وقد رأى بطريرك الأرثوذوكس كيريل في دعمه لبوتين بطرس الأكبر للقرن الحادي والعشرين , ضمن أربعة شروط :‏

-تطوير التسلح بشكل مكثف وتحديث ترسانة الأسلحة الروسية .‏

-النجاح في إجراء عملية تطوير وتنويع كان قد بدأها ميدفيديف في الاقتصاد الروسي .‏

-مواصلة محاربة انخفاض معدلات الولادة , وهو ما يدرك أهميته جيداً الرئيس بوتين .‏

-إعادة كل من بيلاروسيا وأوكرانيا إلى روسيا , بغية تشكيل كتلة بشرية تعدادها 200 مليون نسمة في مواجهة الصين وآسيا الوسطى والقوقاز .‏

ويمكن مقارنة المواجهة التي يقودها بوتين ضد الولايات المتحدة بالحرب الأولى التي خاضها بطرس الأكبر مع شارل الثاني عشر , والتي انتهت بمعركة بولتافا عام 1709 إلى الهيمنة السويدية لبحر البلطيق .‏

وعلى إثرها عمد بطرس الأكبر إلى دعم وتحديث الجيش الروسي مع الالتفات جيداً إلى الاقتصاد والاختراعات والفنون , وهذا ما تجلى في الانتقال نحو أوروبا , حيث نجح بطرس الأكبر في توطيد روسيا عبر فتح نافذة لها على أوروبا في تأسيسه لمدينة سان بطرسبورغ . ويمتلك بوتين رؤية قارية أوروبية ويتطلع إلى التقارب مع فرنسا وألمانية لأسباب جيوسياسية . وقد رأى موريس دروون في بوتين المدافع الأوروبي عن عالم متعدد الأقطاب بدلاً من عالم يطيع فقط أوامر الشريف الكوني .‏

وتتطلع روسيا أيضاً نحو الشرق والجنوب حيث ينبع منه العديد من المخاطر, وليس أقلها انتهاء الاحتلال الأميركي لأفغانستان . ومن هنا سعيه الحثيث لضم بيلاروسيا وأوكرانيا , وفي حال نجح في ذلك , فهو بطرس الأكبر وإلا فهو ليس بأقل من رجال الدولة العظماء من أمثال ديغول وتشرشل وبسمارك وريتشليو وكليمانصو , الذين كانوا يتمتعون برؤية تاريخية وشجاعة والاستمرارية التي يفتقر إليها سياسينا الأوروبيون الحاليون , سواء أكانوا من الأطلسيين أو أنصار التجارة الحرة أو مدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية