تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أوباما أمام إيباك.. مغالطة المنطق لدواع انتخابية..!

شؤون سياسية
الأثنين 12-3-2012
بقلم: محمد خير الجمالي

إيران لن تسعى وليس في نيتها السعي لا الآن ولا في المستقبل لدواع انسانية وأخلاقية ودينية إلى امتلاك السلاح النووي.. وبالمقابل تغرق إسرائيل في التسلح النووي حتى قرطي أذنيها بشهادات واعترافات كثير من مسؤوليها وتقارير استخبارية أميركية ودولية.

ورغم هذا التناقض الفاضح بين سلمية النووي الإيراني وعسكرة النووي الإسرائيلي, يقف الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام منظمة إيباك أكبر لوبي يهودي مؤيد لإسرائيل, ليقطع الوعد بأن «كل الخيارات تبقى قائمة لمنع إيران من التزود بالسلاح النووي ومن بينها العمل العسكري» ثم يصف دعم بلاده لإسرائيل بالمقدس ويتعهد بالحفاظ على تفوقها العسكري, ليعلن بعد لقائه نتنياهو تأييده لما سماه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ووقوف بلاده إلى جانبها على الدوام.‏

ومقارنة لخطاب نتنياهو بعد يومين أمام إيباك بخطاب أوباما, يظهر التوافق بين الاثنين على نقطتين أساسيتين الأولى منع إيران من امتلاك السلاح النووي بكل الوسائل بما فيها القوة, والثانية ما يسمى حق إسرائيل في حماية نفسها والذي سيشكل ذريعة لتنفيذ تهديداتها المتكررة ضد إيران.‏

والمفارقة العجيبة هنا هي أن أوباما الذي لا يجهل بالتأكيد حقيقة أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تمتلك ترسانة نووية تتجاوز في تهديدها الشرق الأوسط برمته إلى العالم كله بحكم مخاطر امتلاك هذه الترسانة وأهدافها الاستراتيجية, يتجاهل هذه الحقيقة ليصور البرنامج النووي الإيراني, ورغم اعترافه بأن المعلومات لديه تفيد بأن إيران لم تتخذ قراراً باكتساب سلاح نووي, بأنه مصدر الخطر في المنطقة والعالم.‏

ما الذي يعنيه تناقض أوباما في التعاطي مع المسألة النووية في الشرق الأوسط بتجاهله التناقض المكشوف جداً بين النووي الإسرائيلي المسلح والنووي الإيراني السلمي, وممالأته نتنياهو في الموقف والتهديد, ووضع دعم بلاده لإسرائيل بمرتبة القدسية, إضافة إلى ظهوره كمن يحاول الحصول على شهادة حسن سلوك من إيباك عندما قال في معرض خطابه (خلال السنوات الثلاث الماضية أوفيت بكل التزاماتي تجاه إسرائيل في كل لحظة وكل وقت).‏

شيء واحد يعنيه قفز أوباما فوق التناقض الفاضح بين سلمية النووي الإيراني وعسكرة النووي الإسرائيلي وقد بدأت منذ بداية ستينيات القرن الماضي, وهو مغالطة المنطق وتجاهل حقائقه لأهداف سياسية تتصل بالقضية النووية العالمية والصراع على المنطقة ومستقبلها وموازين القوى فيها, ولدواع انتخابية تتصل بسعيه للفوز بولاية رئاسية جديدة, أما الأهداف فهي:‏

1- التغطية على الخطر الحقيقي ومصدره الوحيد في المنطقة وهو هنا إسرائيل وأسلحتها النووية التي تتجاوز مئتي قنبلة, ودوافع هذه التغطية تكمن في التعتيم على التسلح النووي الإسرائيلي لئلا يكون نزعه موضع إلحاح دولي في الحديث عن التخلص من الخطر النووي وجعل الشرق الأوسط منطقة خالية منه ومن أسلحة الدمار الشامل, وهو ما صدر عن أوباما نزولاً عند رغبة إسرائيل التي ترفض حتى هذه اللحظة التوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي وإخضاع منشآتها للتفتيش الدولي, وتنتهج سياسة غموض متعمدة بعدم الإعلان رسميا عما انتجته من أسلحة نووية لتنفي أي اتهامات دولية لها بامتلاك هذا السلاح.‏

2- تأليب العالم ضد إيران ومحاولة تحقيق اجماع استراتيجي إقليمي ضدها وتوفير مسوغات الحرب التي يجري التحضير لها عليها بذريعة الشك والشبهة اللذين تثيرهما إسرائيل بدعاوى امتلاكها مواد تمكنها من انتاج أربع قنابل ذرية, والغاية من وراء هذا الهدف الدعائي هي تغيير الأوضاع الإقليمية بمحاولة التخلص من إيران كقوة إقليمية صاعدة لحرمان العرب من دعمها لقضاياهم العادلة, وإراحة إسرائيل من وزن قوتها في معادلات الصراع, إضافة لإلغاء دورها في مواجهة النفوذ الأميركي والغربي في المنطقة والتصدي لمشاريعه الاستعمارية.‏

3- منع إيران من امتلاك مفاتيح التقدم العلمي وعلى الأخص الطاقة النووية, وذلك لإبقاء هذا التقدم حكراً على الغرب وإبقاء حاجة إيران له مرتهنة للغرب يعطيها منها النزر اليسير بالثمن الباهظ الذي يحدده, ويحجب عنها ما لا يريد إعطاءها منه دون أن يكون في إمكانها كسر هذا الاحتكار وممارسة حقها في التقدم العلمي بعيداً عن ابتزازها ورهن إرادتها للحصول عليه.‏

وأما الدواعي الانتخابية فتبرز في تزامن هذا الخطاب مع بدء حملة انتخابات الرئاسة الأميركية التي يسعى أوباما للفوز عبرها بولاية جديدة.‏

فانطلاقاً من دور اللوبي اليهودي ومركزيته في توجيه دفة الانتخابات وترجيح كفة المرشح الذي يقع عليه دعم هذا اللوبي ليكون الرئيس القادم, ولأن استمالة هذا اللوبي ترتبط حصراً بالبرنامج الأكثر دعماً لإسرائيل والوعود العلنية لصاحبه التي تصبح التزامات قاطعة, جعل أوباما خطابه أمام إيباك يتشعب إلى: التوافق مع نتنياهو على الخيار العسكري ضد إيران إن لم تفد العقوبات, والتذكير بأنه الرئيس الذي أوفى بكل التزاماته تجاه إسرائيل, وتقديم عهد جديد من الالتزامات يجعل فيه دعم بلاده لإسرائيل مقدساً ويعدها بالحفاظ على تفوقها العسكري والوقوف معها دائماً في إشارة إلى مشاركتها في الحرب التي تنوي شنها ضد إيران.‏

وغني عن البيان هنا أن أوباما الذي أعطى هذا الخطاب التوافقي مع نتنياهو وضغوطه الخارجة عن كل منطق وحجة ضد إيران لجهة أن إسرائيل التي تهدد بسلاحها النووي أمن العرب والمنطقة وإيران, تتحدث بصفاقة عن خطر إيراني مزعوم يهددها, نقول إن أوباما أعطى هذا الخطاب التوافقي مع نفاق نتنياهو, والداعم بلا حساب لإسرائيل وعلى حساب دافع الضرائب الأميركي وضد العرب وإيران وأمن المنطقة, إنما فعل ذلك كله من أجل كسب أصوات اليهود إلى جانبه في معركة التجديد لولاية ثانية.‏

أما ما سيقال عنه من أنه في هذا الخطاب يقفز فوق المنطق والواقع ويتجاهل القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية لشعبها ووضعية إسرائيل كقوة احتلال غاشم ترفض التخلي عن احتلالها, وقبل ذلك ما سيقال عن تنكره لوعوده بتغيير سياسة بلاده الخارجية وعلاقتها الدولية, فهذا كله بدا لايساوي شيئاً لديه أمام صوت يهودي يسعى إلى كسبه ويعرف أن للفوز به ثمناً باهظاً يتمثل في خضوعه للابتزاز الصهيوني وتفريطه بمصالح بلاده والإساءة إلى سمعتها ومصداقية سياستها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية