أخذت كل شيء.. ثم.. تركت كل شيء.. وقلت:
هذا هو الوطن مسجَّى أمامكم.. فهل تجرؤون أن تغسلوه؟!
أخذت كل شيء.. فلم تترك حرفاً لأكتب كلمة
أوكلمة لأصوغ جملة.. أو جملة لأصنع موقفاً
ولا موقفاً لأجرد وطناً.. أو وطناً أدفن رأسي فيه خجلاً
أو قناعاً أسفره عن وجه الطغاة.. أو نصيفاً أتقي به شر البغاة
أو رصيفاً أدمغ عليه قدمي.. أو سجناً أصف جلاديه
أو طريقاً محفراً أكبو فيه.. لأخرج من كبوتي حصاناً آخر..
أو ثغرة في جسد هذه الأمة لأملأها
أيها الماغوط أنت ملأت كل ثغرات هذا الوطن..!
حتى غدت شوارعه معبدة
وأرصفته مصقولة كقول المسيح: (المحبة لا تسقط أبداً)
حنانيك يا أبتاه... توقف عن كل شيء
ليس عن الكتابة فحسب.. بل توقف عن الجلوس
والشخير، والمشي على عكازك الخشبي
والشراب.. والتدخين.. والسخرية
والألم.. والموت.. والحياة.. والبكاء... وحتى الكلام..
فمساء الخير التي تقولها.. غدت منارة مبتكرة
أخجل من كتابتها
فحراس الأدب ونقاد الرواية والروح
سيقولون لي غداً: مهلاً.. هذا ما قاله الماغوط!!
صرت أكره قراءة ما تكتب.. وأكره شعرك، ونثرك..
ونصوصك المسرحية.. والإنصات إليك
والنظر في عينيك الشتويتين
وحتى التفكير بك
أنا أكرهك كما أكره فيروز، ودافنشي
وماركيز، وبرسفونة، وصلاح الدين
وموزارت وبحيرة البجع، وزكريا أحمد، وآنجلو
ولينين،.. وغيفارا.. وقيس بن الملوح
ومحمد صادق حديد
لأنكم تدفعونني لأحرق كل ما كتبت
كل ما رسمت.. كل ما لحنت
كل ما غنيت.. كل ما اخترعت
كل امرأة أحببت.. كل ثورة خططت
كل ما أتمناه أن يأتي يوم
وتكرهونني فيه جميعكم..
أحبك....