لكن، وعلى المقلب الآخر، دعونا نتساءل عما كان يمكن أن يحققه السيناريو المقلوب الذي سعى إلى عدم عقد جنيف2 أو افتراضيا عقده تحت شروط الإرهاب ورهاناته الافتراضية التي تعمل من أجلها سياسياً وميدانياً أنظمة الحكم في السعودية وقطر وتركيا ومنسقون متماهون معهم في فرنسا والكيان الصهيوني تحت المظلة الأميركية والتي يمكن أن نجملها بمايلي:
1- السعي ماأمكن إلى تمزيق واسقاط الدولة السورية لمصلحة فئات من المرتزقة والعملاء حاملي الجنسية السورية من نزلاء الفنادق والغرف السوداء الذين ليس لديهم سوى المال السعودي والقطري والدبابة الإسرائيلية بعد تراجع الأميركية بحكم الوقائع والمصالح وهو مايعني تعميم الدمار والقتل والخراب؟!.
2- استكمال شروط حماية الكيان الصهيوني وإعطاء فرصة أكبر لمشاريعه التوسعية في بسط النفوذ والهيمنة على المنطقة بأشكالها المختلفة وإن كان ابتلاع الحقوق الفلسطينية والعربية عموماً في المقدمة.
3- توفير فرص حماية أفضل للأنظمة المتهالكة في السعودية وقطر مع الخضوع لصفقات تبادلية مع الإرهاب علماً بأن التاريخ يحفظ لحكام السعودية سجلاً في هذا الإطار حدد فيه المستعمر البريطاني الشكل والمضمون.
في ضوء ذلك يقول الرئيس بوتين: «يجب ألا يكون الإرهاب الذي تغطيه أميركا سياسياً عبر طيف علاقاتها مع دول معروفة مثل «اسرائيل» والسعودية هو البديل الأفضل لتنفيذ أجندتهما المشتركة، ذلك أن البديل الدموي سيجد مساراته اللاحقة إلى بلدان خارج سورية من جهة ويسقط شعارات مكافحة الإرهاب الأميركية من جهة أخرى.
أما «ائتلاف الدوحة» الذي ورث «مجلس اسطنبول» تشكل في فنادق قطر الفاخرة وبالمال القطري، وحضر ولادة «الائتلاف» ممثلون عن (أميركا- بريطانيا- فرنسا- تركيا- قطر- السعودية) لإنتاج الخلطة العجيبة التي ستحدث المعجزات ومنذ إنشاء هذا «الائتلاف» فإنه ينتخب نفسه بنفسه، وتصوت الكتل لبعضهما البعض دون أن يفهم أحد من يمثل هؤلاء، ومن ولاهم، ومن فوضهم؟ وينتقل من الحضن القطري التركي، إلى الحضن السعودي حيث يتم استبدال رأس الائتلاف ليناسب معايير آل سعود الديمقراطية، وليتفق مع خطط بندر لتدمير المزيد في سورية، وقتل آلاف السوريين بسواطير داعش، والنصرة، وكل ذلك يجري باسم الشعب السوري.
يتغير الواقع الداخلي، والإقليمي والدولي على نحو متسارع- ففي الداخل السوري يبدو واضحاً وباعتراف الأعداء قبل الأصدقاء التقدم السريع للجيش العربي السوري في المناطق كافة، وتغير المزاج الشعبي عموماً بعد انكشاف حجم التآمر على سورية وشعبها وجيشها، ووضوح الدور الإسرائيلي- السعودي عبر استمرار تأجيج النيران داخل سورية، والعلاقات السرية التي تحولت إلى علنية بين مايسمى (معارضة سورية) و«اسرائيل» وانكشاف حقيقة المجموعات الإرهابية ودورها المشبوه المرتبط بأجندات اقليمية ودولية، وتزايد دور المتطرفين والتكفيريين من مختلف الجنسيات وحجم المأساة الإنسانية الناجمة عن دور كل هذه الأطراف، إضافة إلى ذلك فإن تحولات إقليمية تبدو واضحة سواء من خلال اضمحلال الدور القطري، أم من خلال الاستدارة التركية عبر زيارة داوود أوغلو إلى بغداد وطهران، وحديثه عن رفض الفتنة المذهبية في المنطقة والتبدلات التي شهدتها الساحتان المصرية والتونسية وغيرهما.
كل ذلك لم يأت من فراغ، إنما أتى نتيجة التحول الأكبر الذي حدث في الموقف الأميركي والغربي الذي اكتشف أن الاستمرار في هذه اللعبة سيحرق أصابعه، وأصابع حلفائه ولهذا اتجه إلى التفاهم مع إيران لإيجاد حل للملف النووي، ولعقد مؤتمر جنيف2 والحديث عن التسويات بدلاً من الصدام الذي تبين له أنه لن يحقق أياً من أهدافه الموضوعة، فأهداف مشروعة سقطت، والتأخر في إيجاد الحلول لن ينتج لأميركا وحلفائها أعجوبة تنقذها من الهزيمة المحتمة في ضوء تراكم ديونها وأزماتها الداخلية، والسياسية والعسكرية وحتى طرق مقاربتها للقضايا الإقليمية والدولية.
إن معظم دول العالم أصبحت تنظر إلى حل الأزمة في سورية والقضاء على الإرهاب ضرورة ملحة بعد أن قدمت سورية درساً لذوي المراهقات السياسية في فنون إدارة الأزمات وقيادة الدول وسياسة الشعوب.
إلا أن استثمار الإرهاب بشقيه السياسي إن صح التعبير، وكذلك المسلح بات ضرورة لبعض القوى التي ساهمت في الحرب على سورية ودعمت الإرهاب وعلى رأسها السعودية وتركيا وخرجتا بعد ذلك أكبر الخاسرين. وعليه، فإن الأنفاس الأخيرة التي تلفظها قوى الإرهاب ماهي إلا حالة طبيعية لمهزوم يرمي بآخر أوراقه التي تتهاوى تحت ضربات الجيش العربي السوري.