تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


خطر العبقرية

ملحق ثقافي
2018/12/18
خلال عشر سنوات رسم فان غوخ ما يقارب تسعمائة لوحة، ولكنه لم يبع سوى لوحة واحدة خلال حياته كلها. وبقي هذا الفنان الإشكالي غير مشهور إلا بعد أن توفي، وطافت شهرته العالم كله. وبالإضافة إلى لوحاته، فقد كتب حوالي ثمانمائة رسالة، كان معظمها لأخيه ثيو.

ولد فان غوخ عام 1853 في غروت زندرت بهولندا. ولم يعش سوى سبعة وثلاثين عاماً، وتوفي في عام 1890. وقد أثر في المدارس الفنية التي جاءت بعده، وفي فن القرن العشرين كاملاً.‏‏‏

كان رساماً ما بعد انطباعي، وتميز بجرأته اللونية وخطوطه المبتدعة.‏‏‏

وعلى الصعيد الشخصي، فقد كان مضطرباً نفسياً، إذ إن الواقع الذي عاشه، قد جعله منفصلاً عن الذين حوله.‏‏‏

عاش طفولة بائسة، وأجبر، بسبب مشاكل العائلة المالية، أن يترك المدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره. وعمل في متجر لبيع اللوحات الفنية في لاهاي. وأجاد اللغة الفرنسية والألمانية والإنجليزية. ومن ثم تابع دراسته في كلية اللاهوت، ثم تركها. وتوجه إلى جنوب بلجيكا، وقام بخدمة المرضى، ورسم لوحات تصور عمال المناجم وعائلاتهم.‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

انتقل عام 1880 إلى بروكسل وتفرغ للعمل الفني، بعد أن تولى شقيقه ثيو دعمه مالياً. ومن ثم انتقل إلى منطقة هولندية نائية، وشرع في رسم المناظر الطبيعية. وفي هذه المرحلة شعر فان غوخ بأن الفن يعيد إليه توازنه. وأخيراً انتقل إلى باريس، إلى منزل أخيه ثيو، الذي تابع دعمه المالي.‏‏‏

اطلع غوخ على الفن الانطباعي في باريس. وبدأ دراسته مع هنري لوتريك وبيسارو وغيرهما. وشرع هؤلاء الفنانين برسم بعضهم لتوفير المال اللازم لاستئجار موديل.‏‏‏

تأثر بالفن الياباني وبدأ في دراسة الفلسفة الشرقية لتطوير فنه. كان يحلم بالسفر إلى هناك، ولكن تولوز لوتريك أخبره أن الضوء في قرية آرل كان تماماً مثل الضوء في اليابان. وفي 1888، استقل فان غوخ القطار إلى جنوب فرنسا وانتقل إلى «البيت الأصفر الصغير» وصرف أمواله على شراء الألوان بدلاً من الطعام. عاش عيشة متقشفة، ووقع في المرض الجسدي والنفسي على السواء.‏‏‏

وبعد ظهور علائم المرض النفسي، ذهب ثيو لمقابلة غوغان، وطلب منه ملازمة غوخ، وحدث أن التقيا وتجادلا حول الفن، وقيل إن غوخ كان في حالة نفسية محطمة، ما جعله يقطع أذنه. ويقال – وهذه حكاية غير موثوقة – بأن غوخ قطع أذنه وأعطاها لبائعة هوى. وتم استجوابه من قبل الشرطة المحلية. وحين وصل أخوه ثيو كان في حالة يرثى لها بسبب فقدانه الدم والاحتجاز. ومن ثم أفرج عنه، ولكنه عاد إلى المستشفى مرة أخرى. وتنقل بين البيت والمشفى. وانتقل نهائياً إلى المستشفى بعد أن اشتكى سكان الحي للشرطة بأنه خطر جداً. فشرع يرسم لوحاته في حدائق المشفى.‏‏‏

التقى في حياته بعدة نساء، ووقع في حبهن، منهن ابنة عمه كيت، وكلاسينا هورنيك المدمنة وبائعة الهوى، ويوجيني لويز، التي رفضته فانهار وأمسى عصبياً.‏‏‏

وضع غوخ تحت إشراف الطبيب النفسي غاشيه، فانتقل غوخ إلى مكان سكن طبيبه في أوفير، واستأجر غرفة. ولكن العالم الذي يحيط به لم يكن يمنحه الأمان، وكذلك فإنه لم يعد يرى مستقبلاً مشرقاً، فخرج من بيته في صباح صيفي من عام 1890 ليرسم في الطبيعة، ولكنه أطلق النار على نفسه. ولم يمت، فنقل إلى المستشفى، وعاد إلى البيت في غضون يومين. وفي المنزل توفي فان غوخ بين يدي أخيه ثيو.‏‏‏

توفي ثيو، بعد ستة أشهر ودفن في أوتريخت، ولكن في عام 1914 قامت زوجته جوانا، التي كانت مؤيدة لأعمال فان جوخ، بنقل ضريح ثيو إلى مقبرة أوفير ليدفن بجوار فنسنت. ومن ثم جمعت أعمال غوخ التي لم يتم تدميرها من قبل أمه، وعرضت حوالي سبعين لوحة في معرض في باريس، فانتشر صيته في كل مكان من أوروبا. وشهد له عالم الفن بالعبقرية.‏‏‏

تصنف أعماله الآن، من بين أغلى الأعمال في العالم، بينما هو عاش فاقة وفقراً منقطعي النظير، ولم يهنأ في حياته أبداً. وحتى عبقريته فُهمت على أنها مرض نفسي، وأنها خطيرة على الآخرين. وبعد الاعتراف بهذه العبقرية الفذة، افتتح في أمستردام متحف باسمه.‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية