كلماتٌ لشاعرٍ رصدَ أول ما رصد, وميض شرارة الشعر. تلك الشرارة التي أوقدها باتِّقاد فكرٍ, ما أكثر ما سُئل من أين له كل ما امتلكَ شعراً ونثراً وخطابة.
إنه «محمد إقبال» أو كما لُقِّبَ «شاعر الشرق العظيم» الشاعر الذي جاء من ولاية «البنجاب» أرض الأنهار الخمسة التي وكأنها, أصابع الخيرِ الممتدة فوق أرض «باكستان». الأصابع التي سعت جاهدة لإفساحِ الطريق مابين المخلوق والخالق, وبعد تطهيرها من المرائين المتظاهرين بالتقوى.
هكذا كانت انطلاقة هذا الشاعر, الذي دعا الإنسان للتحرر وتدميرِ الأساطير المزيفة التي تكبّل عقله ووعيه, وبما أعلنه ناصحاً: «عبِّد طريقكَ بنفسك, فالطريق إلى جهنم, أن تطأ طريق غيرك».
كل هذا وسواه, جعلَ منه الشاعر والمفكر والرائد في خوض أسرار النفس البشرية. النفس التي سعى لإيقاظها عبرَ عشقٍ لم يكن إلا للحرية.. تلك التي أراد أن يحارب بها التعصب البغيض, ومن أجلِ أن يحوّل الحياة وبإرادة مفردته, إلى روضةٍ من العطاء الذي لا يُستعبد أو يُساوم عليه.
«في ظلِّ العبودية, تصاب الحياة بهزالٍ شديد, وتتضاءلُ حتى تصبحُ كنهرٍ صغير, بينما تزهر في ظلِّ الحرية وتتعاظم, حتى تصبح محيطاً بلا شطآن».
أما عن كلِّ ما امتلكهُ من لغةٍ ونثرٍ وفكر وفلسفة وقانون وشعر, فيعود إلى حصولهِ وبعد أن تخرج من جامعة «البنجاب» في «لاهور», على إجازة في القانون من جامعة «لندن» ومن ثم الدكتوراه في الفلسفة «من جامعة «ميونيخ».
الأهم, أنه كان كثير الأسفار وزار معظم دول أوروبا, لتكون أول دواوين شعره «أسرار النفس» الذي كتبه بالفارسية والذي أكَّدَ فيه, بأن شكل الحياة يأخذ تأثيرات من نفس الإنسان. الإنسان الذي دعاهُ لقراءته, ومن خلال ما أصدره وبلغ أكثر من خمسة آلاف عنوان وجميعها باللغات الحية.
قدَّم «إقبال» للإنسانية كل هذا, ليسلم بعدها الروح, وليدفن في مقبرة من تصميم أشهر مهندس «باكستان» مقبرة بُنت في أحضانِ المسجد الكبير في «لاهور». داخلها مبطَّن بالرخام الأبيض الذي نُقشَ عليه ستة أبيات من قصائده, إضافة إلى أبياتٍ أخرى تجسّد موقفه الحازم من التفرقة العنصرية.