أمريكا فعلت ما بوسعها للحفاظ على سرية دورها في تزويد المعارضة السورية المسلحة ، و تقوم بذلك عبر وكالات و شركات وهمية، وهذا ما كتبه سيمور هيرش « الخط الأحمر و خط الجرذ ،عن أوباما أردوغان والمتمردين السوريين « و الذي نشر الأسبوع الماضي في مجلة- لندن ريفيو أوف بوكس.
المقالة ركزت على مسؤولية الجماعة «الجهادية» في سورية ، جبهة النصرة ، بمساعدة من المخابرات التركية ، عن الهجمات بغاز السارين في دمشق 21 آب الماضي في محاولة لاستفزاز الولايات المتحدة في تدخل عسكري واسع النطاق، و نقلت عن ضابط كبير في الاستخبارات الأمريكية قوله : « نحن نعلم الآن أنه كان عملاً سرياً خططت له جماعة الرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لدفع أوباما عبر الخط الأحمر ».
أشار هيرش في مقالته إلى ما تسميه وكالة المخابرات المركزية خط الجرذ ، و يتضمن سلسلة توريد الأسلحة للجماعات المتطرفة في سورية و التي تشرف عليها الولايات المتحدة سرياً بالتعاون مع تركيا ، السعودية وقطر. المعلومات مأخوذة من تقرير سري للغاية صادر عن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي حول الهجوم الذي شنه رجال الميليشيات الليبية على القنصلية الأمريكية في بنغازي يوم 11 تشرين الأول 2012 و الذي قتل فيه السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز. يتحدث التقرير عن العملية التي رتبتها وكالة الاستخبارات المركزية لإرسال الأسلحة من ترسانات معمر القذافي إلى تركيا و من ثم إلى مساحة 500 ميل عبر الحدود الجنوبية التركية مع سورية . يشير التقرير إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أوائل عام 2012 بين أوباما وأردوغان مع السعودية و قطر حول تفاصيل التمويل. و تم الزعم أن تلك الشركات الوهمية استرالية ، أنشئت لتوظيف الجنود الأمريكيين السابقين الذين كانوا مسؤولين عن نقل الأسلحة .
إن تورط الولايات المتحدة في خط الجرذ ، غير موفقٍ عندما تم اقتحام قنصليتها من قبل رجال الميليشيات الليبية. و تضاؤل الوجود الدبلوماسي الأمريكي في بنغازي بقيام وكالة المخابرات المركزية ، نقل الموظفين الأمريكيين جواً خارج المدينة في أعقاب الهجوم. الكارثة في بنغازي التي انقلبت الى معركة سياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين في واشنطن خففت بشدة سيطرة الولايات المتحدة على مصير الأسلحة التي كانت في طريقها للجماعات المعارضة في سورية .
حدث هذا في الوقت الذي كانت فيه قوات الجيش السوري اليد العليا و أصبحت فيه جماعات تنظيم القاعدة في طليعة المحاربين في البلاد .
إن فشل المعارضة المسلحة في عام 2012 ترك مؤيدوها العرب و الدوليون بمشكلة كبيرة . ففي حين سقط القذافي و بدأ حصاد الثقة العالمية ، بدا بقاء الرئيس السوري وكأنه هزيمة مذلة لهم .
استمرت المملكة العربية السعودية وقطر بتزويد المال في حين غضت بلاد عربية أخرى الطرف عن تجنيد الجهاديين وأثار بعض الخطباء الكراهية الطائفية. أما الوضع في تركيا فكان أسوأ . إذ أن الجهود الرامية لاستعراض قوتها تعثرت و كان جميع وكلائها المختارين في ورطة. كان من الواضح أن تنظيم جبهة النصرة ، و الدولة الاسلامية في العراق الشام ( داعش ) و أحرار الشام ، يعتمدون بشكل كبير على المعابر الحدودية التركية في الدعم و التجنيد و الوصول لبر الأمان .
وقعت أعنف المعارك الحدودية للسيطرة على هذه المعابر. و لعبت الاستخبارات العسكرية في تركيا، وقوات الدرك شبه العسكرية دورا كبيراً في توجيه وتدريب الجهاديين و جبهة النصرة على وجه الخصوص
أعضاء من منظمة الاستخبارات في الولايات المتحدة يرتابون بشدة من إجراءات أردوغان فيما يخص سورية . و كان البنتاغون أكثر حذرا من وزارة الخارجية حول مخاطر المزيد من الضغط على سورية ،إذ رأى أنه الخطوة الأولى لتورط عسكري على غرار ماحدث في العراق وأفغانستان. رئيس هيئة الأركان المشتركة ، الجنرال مارتن ديمبسي ووزير الدفاع تشاك هيغل كانا من المعارضين الرئيسين لتدخل عسكري أمريكي أكبر . ثم اتفق الجانبان في الولايات المتحدة على تدريب 600 مسلح كل شهر ليسوا من الجهاديين و ارسالهم لسورية . لكن المشكلة هي أن الفصيل المعتدل العلماني من مقاتلي المعارضة السورية الملتزمة لا وجود له في الواقع. كما أنه هناك خلاف حول ما ينبغي توفيره من الأسلحة . السعوديون و القطريون مصرون على أن الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة من شأنها أن تصنع الفرق. لكن هذا أبعد من الخيال، و المشكلة الرئيسة أن القوات العسكرية المعارضة مجزأة في مئات العصابات .
ومن الغريب أن الجيش الأمريكي لم يتعلم الدروس من العراق وأفغانستان وليبيا و كذلك مسؤوليه كيري وبور، مقتل السفير ستيفنز يظهر ما يحدث عندما تشارك الولايات المتحدة بالعنف ، فكيف هي الحال في فوضى المسلحين في سورية حيث لا تستطيع بتدخلاتها المخزية التحكم باللاعبين في الميدان ..؟