كان أمر انهيار المفاوضات متوقعا منذ البداية وذلك لانعدام الثقة المتبادلة بين الطرفين المعنيين الأمر الذي أتاح للمحرضين تعزيز المخاوف الأسوأ لدى كل جانب. وعلى سبيل المثال فإن أرئيل يتطلع إلى فشل المحادثات، حيث قال بشكل لاحق أنه «أخبر بولارد شخصياً بأنه ضد إطلاق سراحه ضمن صفقة مُهينة» لكن زوجة بولارد نفت إجراء مثل ذلك الحديث.
لقد عمدت إسرائيل إلى تجاوز إطلاق سراح سجينها، وبذلك تكون البنية الكاملة لمفاوضات السلام التي تقدم بها كيري قد باءت بالفشل. وقد تحدث مسؤول إسرائيلي لاحد الصحفيين قائلا:»إن هدفنا في هذه المرحلة يتمثل في وقف كل شيء والعمل على تعزيز مواقفنا ومن ثم نعود لمباشرة المفاوضات منذ المرحلة الأولى».
ولا ريب بأن تلك الأفكار تلقى القبول من أغلب الإسرائيليين خاصة في ضوء الرغبة في العيش بأرض الميعاد بسلام ورفاهية الأمر الذي تطمح إليه الأكثرية اليهودية وقد حدث الكثير من الجدل أثناء وجودي في القدس ضمن مجموعة تبحث أمر حل الدولتين برعاية معهد مولاد (مركز الديمقراطية الإسرائيلية المتجددة ومركز التقدم الأميركي) الذي يعنى بإقامة علاقات بين المؤسسات التقدمية في كلا البلدين. وذكر رئيس مولاد أفنير أنبار بأنه «على الرغم من المخاوف والخشية التي يبديها نتنياهو بشأن العزلة والديموغرافية فإنه يعتقد بأن استمرار الوضع الراهن هو الخيار الأفضل».
قد يخدع الشعب الأميركي بما يتشدق به نتنياهو حول حل الدولتين لكن من الصعوبة عليه خداع الإسرائيليين حيث بينت استطلاعات الرأي التي نشرت على موقع القناة الإسرائيلية الثانية بأن 50% من الشعب تساوره الشكوك بمزاعم نتنياهو حول حل الدولتين في الوقت الذي يعتقد به 23% من الشعب بأنه صادق بكلامه.
وكُشفت حقيقة نتنياهو عندما أبدى استعداده لاطلاق سراح من يُسمون بـ»الإرهابيين» حيث تبين بأنها لم تكن سوى خدعة تهدف للحفاظ على قدرته في مواصلة بناء المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية، وأخذت نواياه تزداد وضوحاً عندما طلب من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل «كدولة يهودية». وفي هذا المجال، كتب رافيت هيشت في جريدة هآرتس بأن «إن نتنياهو قد دأب الحديث حول الصورة الكارثية لليهود في حال رميهم بالبحر الأمر الذي يخلق الرعب لدى الإسرائيليين ويذكرهم بالمحرقة» واستطرد هيشت القول بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرى «بمطالب نتنياهو إلغاءً لتاريخ الشعب الفلسطيني والوجود العربي» على الرغم أن العرب يشكلون 20% من السكان الإسرائيليين ذلك إذا ما استثنينا الضفة الغربية ويعتبر أولئك السكان ضيوفا في دولة إسرائيل، وقد كان نتنياهو على قناعة تامة بأن عباس لا يستطيع الاعتراف بدولة إسرائيل اليهودية لكنه يعلم أيضا بأن أي إسرائيلي أو سياسي أميركي يعلن معارضته لذلك المطلب سيتلقى الكثير من التعنيف.
ذكر دانييل ليفي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية لمركز مولاد أن نتنياهو يخادع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كي يحول دون ممارسة الضغوط على إسرائيل لوقف البناء الاستيطاني وجعلها تقدم على التفاوض بنية حسنة، لكن أوروبة لم تأبه لهذا الخداع بل استمرت على غرار الولايات المتحدة بتعميق وترسيخ علاقاتها مع إسرائيل.
في واقع الأمر أدرك نتنياهو وأنصاره عبثية الجهود المبذولة في كل من الولايات المتحدة وأوروبة لتنفيذ حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. وفي هذا السياق، قال رئيس مولاد «إن قيام مثل تلك الحملة بغية الضغط على إسرائيل لن يفضي إلا إلى مفعول عكسي» حيث سيمكن اليمينيون المتطرفون في إسرائيل من تحسين مواقفهم جراء الخطابات التي يلقيها القائمون على تلك الحملة ولأن الإسرائيليين على قناعة تامة بأنه كلما لاقت تلك الحملة انتباها واهتماما أكثر كلما ازدادت الصعوبات في فرض عقوبات دولية حقيقية على الاحتلال ذاته ذلك الأمر الذي حدا بمحمود عباس إلى معارضة تلك الحملة أيضا.
وفي هذا السياق، بذل القائمون على الحملة مساعيهم لإقناع عدد من الفنانين ومنهم روجرز روترز والفس كوستيلو برفض إقامة حفلات في إسرائيل، لكن من المؤسف بأن الإسرائيليين استطاعوا إقناع فنانين مثل ليونارد كوهين ورولينج ستونز بعدم الأخذ بطلب القائمين على الحملة وتنفيذ الرغبة الإسرائيلية.