يجانبه المعيار الأخلاقي للناقد.. في حالة اقترابه أو بعده من منتقده أي «الكاتب» قد يكون من باب المزاح أو الجدية.. أن أبدأ برأي أحد الحضور في جلسة استماع لرأي ناقدين في قصة قصيرة عنوانها «الرياحين» للكاتب والصحفي سهيل الذيب يقول رأيه في النقاد.. والنقد بشكل عام.. فيشبه العمل المنقود بالدجاجة التي تذبح.. ويقوم الناقد بذبحها ونتف ريشها واستخراج أمعائها وتقطيع أوصالها ويترك للمتلقي أو المستمع صنع الحساء منها» قد يكون رأياً لترطيب الأجواء التي تشوب أي جلسة استماع وتشريح لقصة أو رواية أو قصيدة.
المركز الثقافي - أبو رمانة استضاف هذه الجلسة المسائية بحضور قليل نسبياً.. لتكون القصة القصيرة «الرياحين» الهدف النقدي لكلا الناقدين: د. عاطف بطرس، د. غسان غنيم.. وبحضور الكاتب سهيل الذيب.
تشريح نقدي
يبدأ د. غنيم مداخلته والوقوف عند أهم مواطن الضعف والقوة في القصة القصيرة بشكل عام ويرى أنها فن المجتمعات النامية التي تمر بتحولات عميقة تهز نظمها وقيمها ومواصفاتها وهذا ما يجعلها من أكثر الفنون شيوعاً في الوطن العربي. وللدخول في كواليس (الرياحين) قسم د. غنيم القصة إلى قسمين: قسم ابتعد فيه الكاتب عن عناصر القصة القصيرة إلى مدى بعيد.. بحيث يصعب الإقرار بأن تلك النصوص تنتمي إلى فن القصة القصيرة باستحقاق.
وقدم د. غنيم أمثلة هي «اللص - من قتل أمي - تلك المرأة - ذلك اليوم - محمود عبد الله المعطن - حين يقتل الفرح - مظاهرات.. مظاهرات».
أما السمة الأميز لهذه المجموعة القصصية، فاتجاهها الميلودرامي الذي يقوم على الابتزاز العاطفي غير المسوغ حيث يختلط الضحك بالبكاء، إضافة لوقوع الأحداث بشكل بعيد عن التراتب المنطقي والقائم على الطفرات والانتقالات التي لا تحدث في الواقع على الرغم من أن قصص المجموعة في غالبيتها قصص واقعية.
يرى د. غنيم أن القصة القصيرة مثل الشعر.. الفكرة التي لا توظف في مكانها الصحيح تسيئ للنص.
ابتزاز عاطفي
أتى د. غنيم على ذكر بعض الأمثلة من قلب المجموعة ليبرز إغراقها في الحالة الميلودرامية والتي تسعى حسب رأيه إلى الابتزاز العاطفي للقارئ مثل «اللص» و«من قتل أمي» اللتين تحاكيان الواقع في تفاصيلهما ولكن تبتز القارئ عاطفياً عبر مفاصل ومواقف مؤثرة.
يرى د. غنيم أن الكاتب كونه بالأصل صحفياً.. هذا قد أظهره بشكل واضح في بعض قصصه فجاءت لغة هذه القصص لغة تقريرية، جافة، تبتعد عن الأدبية، وقد بدا ذلك في تأكيده حقيقة القصة وواقعيتها ونقلها الحرفي عن حدث حصل في واقع الحياة مثلاً ذكر قصة «حين يقتل الفرح» يرى الناقد أننا أمام تحقيق صحفي عن أوضاع المشافي العامة.
الموضوعية وهم
على الجانب الآخر يبدأ د. عاطف بطرس مداخلته النقدية بالقول: أنا أمام فتنة لا أدري من دبرها تتموضع بين صدقية الصديق ومصداقية الناقد، الناقد يجب أن يتصف بالموضوعية والموضوعية وهم..
يرى أن النصوص غالباً يكتبها أناس تنخفض سوية استوائهم.. ومن هنا في مقاربتي لنص أدبي لا بد من وضع معايير.. فهل يكون النص بمواصفات كاتبه..؟
لعل إطلاق حكم القيمة معياري.. والنصوص تقوم على أساس المقارنة والمعايرة قد لا يحمل النص أي جديد، وإنما يمكن له أن يعيد القديم.
تاريخ القصة السورية له أعمدته والتي ذكر أبرزها: حيدر حيدر، سعيد حورانية، حنا مينة، عادل أبو شنب وآخرون.
إغراق ميلودرامي
المشكلة في الفن ليس ماذا تقول وإنما كيف تقول.. المعيار الأخير هو الشكل وليس المضمون ومن هنا يرى د. بطرس أن الموضوعات التي تناولتها «الرياحين» للكاتب سهيل الذيب عادية مألوفة.. متداولة أساءت إليها الميلودرامية في مواضع متخفية ظهرت هذه الميلودرامية.
هناك أشياء واقعية مغتالة في واقعيتها.. الواقع قد يكون أكثر مرارة من الفن.. اللعبة الفنية تقوم على المناورة.. إما أن ترفع الفن إلى سوية الواقع.. أو تنزل الرمز إلى سوية الفني «الرياحين» تعتبر نموذجاً لمجمل قصص المجموعة.. هي القصة الأفضل من وجهة نظر الكاتب وأكثر قرباً من أي نص آخر.. لغة القصة ولا أعني اللغة العربية بمفرداتها وانتظامها في السياق وإنما لغة السرد وهي مجمل التقانات والمهارات الفنية «تداعي - استرجاع تأثير الداخل على الخارج» اللغة من حيث المفردات عادية.. قد نغفر للكاتب أن الموضوع عادي، فاللغة أتت متطابقة مع موضوعها.
ويختم رأيه النقدي د. بطرس بالقول: إن الحكم قد يكون قاسياً على هذه المجموعة ولكنه حكم منصف وعادل.. النقد ليس بحثاً عن الخصوم وإنما تمتين لعرى الصداقة والروابط في مجتمعات تحترم حق الاختلاف.. الناقد في محكمة صارمة بعد التها هو بين حدين: حد الحكم الفني الذي لا يرحم وحد الحكم الأخلاقي الإنساني الذي لا يرحم..
وبين رأي الناقدين.. يتساءل الكاتب سهيل الذيب ولا يريد جواباً من أحد في الجلسة وهو ما الفارق بين القارئ والناقد؟ لماذا يصفق القارئ؟
ويرى أ. الذيب أنه من أصعب الأمور على الكاتب أن يتحدث عن أعماله ولا سيما أنه منحاز إليه حتماً وإلا لما كتبها أصلاً.