تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قراءة فـي حـدث .. حتى الحقائق الدامغة

آراء
الخميس 14-6-2012
د. اسكندر لوقا

من عجائب الدنيا أن يحاول البعض من الناس أحياناً إخفاء تفاصيل قضية واضحة وضوح الشمس، كأن يقال إن الشمس تشرق من الغرب، وإن مياه البحر تجف في فصل الصيف، وإن موطن جبال كلمنجارو في صحراء سيناء وسوى ذلك مما لا يمكن أن يقبله عقل.

هذه المعادلة، تجدها أحياناً وأنت تقرأ كتاباً يتحدث عن تاريخ بلدك أو أن تسمع تصريحاً لمسؤول يدور حول حاضر أو ماضي هذا البلد. من ذلك - على سبيل المثال لا الحصر - إعلان الحكومة البريطانية في الثامن من شهر حزيران عام 1918 وفيه أن الأنباء التي تسربت عن اتفاقية سايكس-بيكو المبرمة في السادس عشر من شهر أيار عام 1916، وكشفت بنودها الصحافة السوفييتية بعد ثورة أكتوبر عام 1917، أنها أنباء عارية عن الصحة ولا وجود لها، وأن محادثات وزيري خارجية فرنسا وبريطانيا سايكس وبيكو هي عبارة عن مجرد «تشاور» جرى بين الرجلين!‏

بمثل هذه البساطة حاولت الحكومة البريطانية أن تخدع العرب وقتئذ، مؤكدة على أن ما يقال في الصحف لا يجب أن يصدق أو أن يؤخذ بعين الاعتبار دائماً. وبطبيعة الحال صدق البعض من العرب ما قيل في هذا السياق والبعض الآخر منهم لم يصدق، وبذلك بقيت الاتفاقية قيد الأخذ والرد حتى تكشفت بنودها على أرض الواقع، كما أشرت، فكانت سورية ولبنان من حصة فرنسا والعراق وفلسطين من حصة بريطانيا كما هو معروف. وإلى أيامنا هذه لا يزال سكان هذه البلدان العربية يدفعون ثمن التآمر على حاضرهم هاجس تقسيم ما هو مقسم منذ العقد الثاني من القرن الفائت.‏

وما يلفت الانتباه حقاً هو أن هذه المراوغة السياسية، ما زالت تشكل عنوان التعامل مع العرب حتى الساعة، وأن البعض من «الأشقاء» العرب يصدقون بأن أصحاب هذه المراوغات يعملون لمصلحتهم، متناسين دروس التاريخ المعاصر على نحو خاص، أعني التاريخ الذي قاد بلادنا، بفعل التآمر عليها حاضراً ومستقبلاً، إلى حافة الدمار أكثر من مرة، بدءاً من يوم فرض الانتداب عليها بريطانياً وفرنسياً حتى أيام ما بعد الاستقلال، ومن تبعات هذا التآمر كما نشاهد هذا الواقع العصيب الذي تعيشه بلادنا وهي تواجه مصيراً لا يزال محفوفاً بشتى أنواع الخطر.‏

وحين يعيد أحدنا النظر في أبعاد هذه المراوغة، وهو يقرأ الوعود التي تعطى، في الوقت الراهن، لهذا الطرف أو ذاك بأن ما يحدث في أرجاء وطننا العربي، هو لجهة ترسيخ مفاهيم الحرية والديمقراطية وسوى ذلك، يستطيع أن يستشف ما ينتظر الذين يصدقون مطلقي هذه المفاهيم في الأزمنة الآتية. وفي صفحات التاريخ دائماً براهين لا تحصى تؤكد أنه حتى الحقائق الدامغة ثمة من يستطيع إخفاء تفاصيلها وإن يكن إلى أمد محدود.‏

iskandarlouka@yahoo

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية