تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


« الطاقـة: وهـم أم حقيقة؟

معاً على الطريق
الخميس 14-6-2012
لينا كيلاني

عندما كنا ننظر إلى صورة العذراء والقديسين وإلى الأيقونات وحتى المنحوتات كنا نلاحظ أن الذين رسموا أو نقشوا قد تخيلوا وجود هالات نورانية أو نجوماً مشعة تحيط بهؤلاء الأنبياء أو المميزين من البشر.. فهل توهموا ذلك أم كان لديهم خيوط من حقيقة غير مرئية ولا ملموسة؟

وكان الناس فيما يتداولون بينهم من قصص عن الصالحين والأولياء وأهل التقى والورع والدين أن هناك نوراً يشع حولهم.. حتى إنهم كانوا يشعرون بهذا النور وكأنهم يدخلون في دائرة مغلقة.. وإذا ما فارقوهم غاب عنهم ذلك النور.. فهل كانوا أيضاً واهمين؟ أم إن الإيمان والاطمئنان المستمدين من هؤلاء الناس كانا يتحولان الى ما هو مادي محسوس؟‏

وهكذا كان الحال مع الأحجار المشعة التي أسموها الكريمة.. فقد تصوروا أن كل حجر يطلق نوعاً من الطاقة يتناسب أو يتنافى مع طبيعة الشخص فتحرسه أحياناً.. أو تكون لعنة أو نقمة عليه في أحيان أخرى.‏

وعندما اكتشف حجر المغناطيس.. وما له من قوة جاذبة بدؤوا ينسجون حوله علوماً ظلت أقرب الى الخرافة والأسطورة منها الى الحقيقة. ولما بدأت العلوم التجريبية تأخذ مداها أصبح للمغناطيس هذا ليس القوة الجاذبة للمعادن فقط بل الشافية للإنسان من الخمول والكسل والأوهام والأمراض.. واستتبع ذلك ضمن هذا النطاق ما سمي التنويم المغناطيسي الذي لا يدخل فيه حجر المغناطيس في شيء بل لأنهم لم يجدوا اسماً آخر يدل على تعطيل الطاقة المتركزة في الإنسان وشل إرادته سوى هذا الاسم.‏

وتصبح الطاقة هاجسا للبشرية يحاولون اكتشافها في الشلالات ومنحدرات المياه وفي الشمس والمعادن حتى توصل الإنسان إلى اكتشاف الراديوم أولاً، ثم ما عداه من المواد المشعة وصولاً الى اكتشاف الذرة والإلكترون، وما بينهما من طاقات هائلة وضعت في خدمة البشرية.‏

لكن الإنسان ظل إلى عهد قريب يتحدث بالعلم والبرهان الساطع على وجود ما يسمى الحقول المغناطيسية التي يتحرك بها الإنسان، أو ربما كل مخلوق حي تعبيراً عن قوة الحياة أو طاقة الحياة التي تهمد أو تنطفئ بالموت.‏

ولكن ماذا عن الطاقة البيولوجية الحيوية التي يتحدثون عنها الآن ويرصدونها بالصور الشعاعية والبراهين العلمية؟‏

إنها الطاقة التي تنبع من الإنسان نفسه وليست التي يستمدها مما حوله.. تنبع من خلاياه.. وتتركز في جهازه العصبي.. والدماغ هو المحرك الأساسي لها.‏

ولن نمر على ما أحدثه علم النفس من ثورة في النظرة الى العقل الواعي والعقل الباطن، ولا ما سببته نظريات (فرويد) في كبت الغرائز، والعقد النفسية، والشفاء عن طريق التحليل لأن هذا يستدعي بحوثاً طويلة أصبحت معروفة ومبثوثة في الكتب، وأصبحت لها عيادات منتشرة في كل بلاد العالم، وغدا الطب النفسي جزءاً من الطب الجسدي، إلا أننا نتوقف عند آخر صيحة في هذا المجال وهي علوم‏

البرمجة اللغوية العصبية، وديناميكية التكيف العصبي، والطاقة البشرية، وغيرها، ما يوفر موقفاً جديداً تماماً من الإنسان وما يختزنه من قوى خفية ليس تركيزها في الدماغ فحسب بل في كل خلية من خلايا الجسد أو عضو من أعضائه.‏

أما المتحمسون لمثل هذه النظريات وهم على فئتين: فئة ذات منحى إنساني شفائي ودوائي وعلاجي، وفئة لا تُعرف أهدافها تمد أيديها الغامضة لتنبش في أعماق الإنسان من حيث معتقداته وأفكاره، وربما أخرجت ماضيه كله لتتوصل إلى نوع من التغيير فيه أو ربما تغييره كليا، فهل هذا الاتجاه ـ أي الثاني ـ هادف الى الخير أم ربما يوظف لمعتقدات سرية تنبع من قوى الشر وليس من قوى الخير؟‏

إنها أسئلة كثيرة تحوم حول النهاية القصوى لهذه النظريات وليس إلى آلية تطبيقها، أو ممارسة شعائرها التي يقولون إن نتائجها أحياناً باهرة بحيث يشفى عدد كبير من الناس من أمراض جسدية ومن أخرى نفسية فلا يعودون بحاجة إلى دواء مثلاً، أو ينقلبون من السلبية إلى الايجابية، أو من الضعف إلى القوة، ويتحولون إلى أشخاص كأنما أصبح لديهم انتماءات جديدة حتى في المعتقدات!!‏

الطاقة إذاً النابعة من الإنسان.. والتي تغلف الإنسان.. والتي تقود الإنسان في الدنيا وفي الآخرة لمن يعتقد بها.. أصبحت مجالاً رحباً للدراسة والبحث والاستقصاء والإحصاء، وكأنما كل هذه الجهود تصب في تقييم الإنسان من جديد تقييماً ذاتياً من جهة، ومجتمعياً من جهة أخرى، يتضافران لخلق عالم مجهول يتوافق مع إيقاع المخترعات والتفوق التكنولوجي، وكل ما يطمح إليه إنسان هذا القرن في إخضاع الكون لرغباته ومشيئته.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية