تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المدرسة العزيزية في دمشق.. تربة المشاهير

استراحة
السبت 30-3-2013
محمد قاسم الخليل

تعد المدرسة العزيزية من المواقع الأثرية المهمة في دمشق القديمة، وتكمن أهميتها في عدة نواح تتمثل في موقعها وتاريخها وساكنيها.

فهي تقع في الزاوية الشمالية الغربية من الجامع الأموي، إلى الجنوب من المدرسة الظاهرية وغربي المدرسة الجقمقية في شارع الكلاسة بمحلة باب البريد، بناها الملك العزيز بن صلاح الدين الأيوبي، وهي نموذج للطراز المعماري الأيوبي.‏

وللمدرسة مدخلان وتحوي باحة وقاعة، وفي الباحة بركة بيضوية، والقاعة مربعة الشكل ومغطاة بقبة محززة، كما أن الزوايا الأربع الحاملة للقبة مكسية بالقيشاني من الصناعة الدمشقية.‏

ولم يبق من البناء الأصلي سوى قوس الإيوان والمحراب، وقاعة تضم قبر السلطان صلاح الدين الأيوبي، وقد رممت القاعة للمرة الأولى في عام 1627 ميلادي، وتم تجديدها مرة ثانية مع عملية ترميم الجامع الأموي التي انتهت في عام 1994، كما شهد المكان أعمال ترميم وإصلاح في عام 2008 بمناسبة اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية.‏

ويحظى من يضمهم المكان في تربته بمكانة خاصة في قلوب الكثيرين، ويأتي في مقدمتهم صلاح الدين الأيوبي، وقد بنى المكان من أجل أن يواري فيه هذه الشخصية التاريخية العظيمة.‏

ومنذ أيام جاور السلطان صلاح الدين الشهيد الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، وكانت حديقة ضريح صلاح الدين تضم خمسة قبور، اثنان ممن تضمهم تربتها مشهوران بالنضال ضد الأتراك والفرنسيين والانكليز.‏

الأول هو الشهيد الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، وهو مناضل سوري شارك في الثورة العربية ضد الأتراك عام 1916، وبعد تحرير سورية تسلّم وزارة الخارجيّة في عهد الملك فيصل، وبعد الاحتلال الفرنسي التحق بالثوار في جبل العرب عام 1925، وغادر سورية بعد أن حكمت عليه سلطات الاحتلال بالإعدام، ليعود إلى دمشق في عام 1937، واغتيل بيد عملاء الاحتلال في السادس من تموز 1940.‏

والثاني ياسين الهاشمي الذي تولى رئاسة الوزارة العراقية مرتين الأولى عام 1924والثانية عام 1935، وكان الهاشمي قد جرح وهو يحارب الأتراك في فلسطين عام 1917، وجاء إلى دمشق للاستشفاء ولما دخلها الأمير فيصل عام 1918 عينه رئيسا لأركان حرب حاكم سورية، وبعد الاحتلال الفرنسي لسورية غادر إلى العراق، وبعد الانقلاب عليه عام 1936جاء إلى دمشق، وتوفي في عام 1937.‏

وقبور الثلاثة الآخرين هم أوائل الطيارين الذين هبطوا بدمشق في كانون الثاني1914، وهما صادق بك وفتحي بك، وكان من المفترض أن يكملا رحلتهما إلى فلسطين فالقاهرة، لكن الطائرة سقطت قرب طبرية وتقرر نقل جثمانيهما إلى استانبول، وبعد وصولهما إلى دمشق أصر أهلها على دفن رواد الطيران في أرضهم، والثالث نوري بك جاء إلى بعد أسبوع من قدوم صادق وفتحي، حيث سقطت طائرته في يافا ونقل جثمانه إلى دمشق ودفن إلى جانب زميليه.‏

وإذا عدنا إلى كتب التراث نجد أنهم يذكرون أن مؤسس المدرسة هو الملك الأفضل بن صلاح الدين وهو شقيق العزيز الذي كان حاكما على مصر، فكيف يبني أحدهم مكانا وينسب للآخر؟‏

تفصيل ذلك أن الأفضل بنى القبة لتكون تربة لأبيه، ونقل إليها رفات صلاح الدين من قلعة دمشق بعد عامين من وفاته، وقام العزيز ببناء المدرسة بجوار الضريح وأتمها في عام 1196 ميلادي الموافق 592 هجري.‏

ومن المعروف أنه جرى تقاسم البلاد بعد وفاة صلاح الدين، وكانت مصر من نصيب العزيز وكانت عنده جل عساكر أبيه، وكانت الشام من نصيب أخيه الملك الأفضل.‏

وبسبب الخلافات بين الأخوين غزا العزيز دمشق ثلاث مرات، وحاول إبعاد الملك الأفضل عنها وفي كل مرة كان عمهما الملك العادل يصلح بينهما، وفي المرة الثالثة والأخيرة حارب العزيز والعادل معا الملك الأفضل، وحصرا بدمشق حتى أخذاها منه وبعثاه إلى صرخد وأقام العادل بدمشق، وتوفي العزيز بمصر عام 595 هجرية.‏

شيء مشترك بين صلاح الدين والدكتور البوطي يلفت النظر، وبينهما نحو تسعمئة عام تقريبا، فكلاهما جاءا إلى دمشق ومنها انطلاقا، وكلاهما قدم خدمات كبيرة للعالم الإسلامي، فكان الأول سلطان الشام، وكان الثاني رئيس علماء الشام.‏

ولد صلاح الدين في تكريت بالعراق عام 1138، وجاء مع والده نجم الدين أيوب، واستقر به المقام في دمشق مع قادة نور الدين الزنكي، وترعرع صلاح الدين في دمشق، ثم كان موحد الشام ومصر والحجاز واليمن ومحرر القدس بعد معركة حطين في عام 1187 ميلادي.‏

والعلامة محمد سعيد رمضان البوطي ولد في عام 1929 في جزيرة بوطان، وهي الآن ضمن تركيا وإليها ينسب، وقدم إلى دمشق مع والده العالم ملا رمضان البوطي، وتعلم في دمشق والأزهر ليصبح فيما بعد من أهم المرجعيات الدينية على مستوى العالم الإسلامي، وقام بالتدريس في الجامعات السورية والعربية وتولى مواقع علمية عليا فيها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية