ورغم ذلك فإن الوضع في أفغانستان مازال مسرحاً لسفك دماء المواطنين الأفغان الأبرياء على يد قوات الناتو المحتلة واستمرار صمود الشعب الأفغاني المطالب برحيل قوات الاحتلال ويلحق بها ضربات موجعة.
والمهزلة أن القوات الأميركية تقتل عشرات المواطنين يوميا عن طريق ما تسميه «الخطأ» وتسارع للاعتذار عن هذا الخطأ حتى أن الرئيس كرزاي الذي نصبته على رقاب الشعب الأفغاني قوات الاحتلال لم يعد يتحمل هذا الوضع فأعلن أن الاعتذار عن القتل اليومي لم يعد مقبولاً ولكن كرزاي وحكومته وكأنهم لم يسمعوا صرخات أمهات الجنود الأميركان المطالبين إدارة أوباما بإنهاء هذه الحرب وإعادة أبنائهم إلى وطنهم بعد أن زجوا في جحيم هذه الحرب المجنونة التي يعترف قادة القوات الأميركية والأطلسية بأنها مغلقة الآفاق وأنه لا يوجد فرصة لتحقيق ما يسمونه الانتصار على الإرهاب أي المقاومة ولم يتعلم الأميركيون من تجاربهم السابقة التي كان من المفترض أن تقنع السياسيين قبل العسكريين إن حروبهم الاستعمارية ضد الشعوب مصيرها الفشل والهزيمة في نهاية المطاف وتكبد خسائر مادية ومالية قاسية تدفع الاقتصاد الأميركي إلى حافة الافلاس خاصة وأنه لم يعد مجدياً عشرات المليارات من الدولارات التي تقترضها الإدارة الأميركية من أجل هذه الحرب الملعونة في وقت سئم الأميركيون من سماع إدارتهم تتحدث بكل مناسبة عن عجزها في تأمين الأموال اللازمة لتقديم إعانات البطالة أو توفير وظائف جديدة للعاطلين عن العمل الذين بلغت نسبتهم نحو 11٪ من القوى العاملة الأميركية ولم تعد الإدارة الأميركية قادرة على إخفاء حقيقة أن من يدفع فاتورة الحرب في أفغانستان والعراق هم دافعو الضرائب الأميركان وكذلك تأثير هذه الحرب على تعميق أزمة الاقتصاد الأميركي ليتراجع نموه لدرجة أنه غير قادر على تجاوز أزمته والانتقال إلى مرحلة الانتعاش.
فهذه الحرب التي مازالت مستعرة على امتداد أكثر من عشر سنوات مما جعلها أطول حرب في التاريخ الحديث وسقط جراءها أكثر من 1500 جندي وضابط أميركي وأصيب ما يزيد على 9000 من أفراد قوات الغزاة وهناك المئات ممن يعانون من إعاقات وأضرار نفسية مزمنة إضافة إلى ذلك ما أفادت به احصاءات البنتاغون نفسها حول ارتفاع معدلات الانتحار بين الجنود وبلغت حالات الإعاقة الدائمة بين المحاربين إلى أكثر من 700.000 بمن فيهم المحاربون القدامى في حرب فيتنام والصومال والخليج والعراق وأفغانستان وغيرها إضافة إلى الإعاقات النفسية الدائمة للآلاف من الجنود في وقت يعيش فيه نظام كرزاي في مستنقع الفساد لدرجة أن أفغانستان احتلت المرتبة الثالثة في العالم بين الدول الأكثر فساداً ولم يسبقها سوى الصومال وبورما ونظراً لهذا الوضع اضطر نائب الرئيس الأميركي بايدن للتصريح بأن بلاده ستغادر أفغانستان إذا كانت حكومة هذا البلد ترغب في ذلك ويتساءل الكثير من الأميركيين لماذا نحتاج إلى التضحية بالمزيد من أرواح مواطنينا؟ ولماذ نبقى هناك؟ وما هي الجدوى الفعلية من حرب تكلف الولايات المتحدة أكثر من 450 مليار دولار في وقت تعاني فيه الميزانية من العجز ويرى رئيس لجنة شؤون المحاربين القدامى في مجلس النواب الدكتور جوزيف ستيغلتز بأن تكلفة الحرب في العراق وأفغانستان تشمل دفع فوائد على الأموال المقترضة ورعاية الجنود المصابين والمحاربين القدامى ما بين 4 إلى 6مليارات دولار.
إن المسؤولين الاقتصاديين والماليين في المؤسسات المالية الأميركية يؤكدون بأن الوضع لم يعد مقبولاً ولا يمكن دعم ميزانية الحرب فأميركا بدأت تفلس ولم يعد أمام أميركا إلا البحث عن مخرج سريع من أفغانستان لكي يتحرر الأميركان من أعباء هذه الحرب التي يخوضها مغامرون لا يهتمون بشؤون المجتمع والدولة الأميركية بل لمصالح خاصة والمقصود أمراء الحرب والهيمنة ولا يجد الأميركيون أي هدف منطقي من انتهاج سياسةخاطئة في أفغانستان ويقتنع أكثرية الأميركيين والمجتمع الدولي بأن الأمر الصائب الوحيد هو وقف هذه الحرب وعودة الجنود إلى أمهاتهم وبيوتهم قبل أن يعودوا بالتوابيت أو يعودوا إلى المستشفيات مصابين بعاهات نفسية وجسدية دائمة.