وكيف يمكن مقارنة مكانة هاتين المنطقتين بمكانة فلسطين الدينية والدولية. مثل هذه المقارنة لا شك تجول في خاطر كل فلسطيني وهو يقيم حساب الربح والخسارة والشخصي والوطني منذ توقيع اتفاق أوسلو قبل نحو عشرين عاماً.
وما تشهده المنطقة اليوم من انتفاضات على الرؤساء المتسلطين في مصر وشمال إفريقية يولد مشاعر عدم ارتياح لدى الفلسطينيين. فكيف حدث أن توصل الشعب هناك إلى هذه الانجازات في مواجهة سلطة القمع، أما الشعب الفلسطيني فيبقى عالقاً مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يملي على محمود عباس ماذا يفعل وماذا لا يفعل.
ما هي الاستنتاجات التي يستطيع الفلسطينيون التوصل إليها من الزلازل التي تصيب العالم العربي؟ الاستنتاجات هي أن الخلاص لن يأتي من الولايات المتحدة، فالولايات المتحدة لا تؤيد محمود عباس رغم التنازلات الكبيرة التي قام بها. وقد كشفت وثائق « الجزيرة» كم كان مستعداً للمضي قدماً في التفاوض مع إسرائيل لكنه لم يحظ بأي مساعدة من واشنطن. وكأن هذا ليس كافياً. فقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض بشأن قضية لالبس في عدالتها من وجهة نظر الفلسطينيين، بل والمجتمع الدولي، وهي قضية الاستيطان، وذلك برغم حقيقة أن نتنياهو أذاق واشنطن الأمرين من خلال إصراره على توسيع المستوطنات في القدس والضفة الغربية، وهو ما أدى في النتيجة إلى إنهاء المسيرة السياسية وإحباط السياسة الأميركية في المنطقة.
الاستنتاج الأهم من الأحداث خلال الأسابيع الأخيرة هو أن التنازلات السياسية ليست هي التي تؤدي للحصول على التأييد الأميركي، بل الانتفاضة غير العنيفة للمواطنين، علماً أن عباس عارض بشدة الاقتراحات التي طرحت في دوائر مختلفة لتنظيم انتفاضة شعبية غير عنيفة.
وقد عملت قيادة السلطة الفلسطينية والجيل الأقدم في حركة فتح على وضع العراقيل أمام أي تحركات شعبية بما فيها المظاهرات الأسبوعية في بلعين وقرى أخرى. لم تكن بواعثهم فقط الخوف من صعود منافسين سياسيين لهم، بل أيضاً خشية تحول هذه المظاهرات إلى مواجهة عنيفة تتسبب في إلحاق الضرر بالفلسطينيين كما حدث فعلاً في الانتفاضة الثانية. والواقع أنه كلما ارتفع استخدام القوة في المواجهة العنيفة كان ذلك لمصلحة إسرائيل التي لها مصلحة في الحث على التحول إلى العنف بهدف إخضاع الفلسطينيين بداعي محاربة الإرهاب.
أما الوضع اليوم فهو مختلف فالنموذج الناجح الذي أقامه المنتفضون غير العنيفين في أنحاء العالم العربي وانضباطهم الذاتي، يستطيعان تعليم الفلسطينيين أنهم بهذا الأسلوب يمكن أن يتوصلوا إلى انجازات تاريخية، وإذا استعملت إسرائيل العنف لقمع المظاهرات الفلسطينية، فسوف تظهر مثل أي نظام قمعي آخر في العالم، وهو أمر ليس بوسع العالم التغاضي عنه في عصر الصورة التي تنقل كل شيء على الهواء مباشرة.
يسود الشارع الفلسطيني قدر كبير من عدم الارتياح وقدر كبير من اليأس من المسيرة السياسية ومن إسرائيل والولايات المتحدة، وهو يأس باتت دوائره تتسع لتشمل كل فئات المجتمع الفلسطيني. وفي المجتمع الفلسطيني أيضاً بنية تحتية تكنولوجية جيدة حركت في أماكن أخرى المظاهرات الجماهيرية فثمة شبكة اتصالات انترنت وهواتف محمولة وصحون أقمار صناعية. وعنصر الشباب الذي عمل في مصر، موجود أيضاً فالمجتمع الفلسطيني مجتمع شاب.
وهم شبان أفقهم مسدود بسبب الاحتلال فالانتفاضة الثانية ويد إسرائيل الشديدة، صاغتا العقد الثاني من حياة أبناء العشرين ووعيهم السياسي الذي هو أقرب لرفض الإملاءات الإسرائيلية، ورفض مجمل حجج الجيل الأقدم من ساستهم الذين عولوا أكثر مما ينبغي على ما يمكن أن ينتزعوه من حقوق بالاعتماد على أساليب بات من الواضح للجميع مدى عمقها.
إن المستوطنات والجنود والحواجز والقيود هي تجربة يومية في حياة هذا الجيل منذ وعوا على الحياة، وهو جيل جاهز لإشعال الانتفاضة الثالثة، وكل ما بقي هو الشرارة التي تشعل المسيرة ولعل ما يكتب هذه الأيام على جدار الفصل في الضفة الغربية هو الصياغة الأولى للشعارات التي ستحملها الانتفاضة المقبلة، والتي سوف تستهلم بلا شك الانتفاضات الشعبية المشتعلة في المنطقة.
بقلم: مناحيم كلاين