حيث أصدرت صحيفة لوموند بهذه المناسبة ملحقاً متميزاً من 124 صفحة تحت عنوان «سيمون دوبوفوار امرأة حرة». يتضمن مقتطفات من أعمالها ومن الحوارات التي كانت تديرها في تلك المرحلة تحت عناوين مختلفة، منها: «مؤلفة الجنس الآخر أصبحت مرجع الحركة النسوية المعاصرة»، و «المرأة المتفردة المولعة بالحرية»
سيمون دوبوفوار الفيلسوفة الباحثة والروائية ورفيقة درب جان بول سارتر تعد بحق حالة استثنائية في الأدب المعاصر، تميزت بمكانة فريدة لها في الفلسفة العالمية الحديثة.
سيمون الأنثى المتمردة هي من أطلق المرأة من عقالها وأحيت حركة التحرر النسائية ورغم أنها لم تتزعم أي تيار ولم تؤد دور «الأم الرمز» أو الأم الشجاعة لكنها فعلت أكثر من ذلك حين تابعت حركة التحرر النسوية التي أطلقتها الثورة الفرنسية عام 1789 وهي من دفع بحركة التحرر النسائية في أميركا.
هذه المفكرة التي وقفت جنباً إلى جنب مع أنصار الوجودية مازالت بعد وفاتها بخمسة وعشرين عاماً تساعد النساء على طريقة التفكير في أحوالهن وظروفهن.
من الندوات والمناظرات التي غطت المناسبة ندوة أقامتها صحيفة لوموند تكريماً للأديبة الكبيرة في قاعة المحاضرات في مبنى الصحيفة بالاشتراك مع جهات ثقافية أخرى دعت إليها كل من الباحثة في علم اللسانيات والتحليل النفسي جوليا كريستيفا وهي روائية، أيضاً أستاذة علم الاجتماع ليليان كانديل وهي عضو هيئة تحرير مجلة «الأزمنة المعاصرة» التي أسستها بوفوار مع جان بول سارتر، والمحامية الجزائرية الكبيرة وسيلة تامزالي، أيضاً الصحفية والباحثة كارولين فوريست للنقاش والبحث في إرث مؤلفة «الجنس الآخر».
وقد تمخض النقاش عن أن نتاجها كان كحياتها إذ لا يمكن الفصل بينهما، حياة صنعت العمل وقدمت درساً في الحرية وقد أدت رسالة إلى أجيال فهمتها ثم تابعت حمل الرسالة.
تقول وسيلة تامزالي: ما إن قرأت كتابات تلك المرأة حتى ترسخت في أعماقي وتأثرت بها كثيراً، لقد جعلتني ألتزم بخط لم أحد عنه إطلاقاً فمقولة سيمون: «إرادتي في أن أكون حرة يعني أن أجعل الآخرين أحراراً» كان لها بالغ الأثر علي. وقد فهمت الأمر تماماً، ففي الوسط الذي تطورت فيه وحيث راقت لي الحرية الفردية أخذت في الحسبان بأني لن أستطيع أن أكون حرة بمفردي بل يجب أن يكون الآخرون أحراراً مثلي، من هنا كانت نقطة انطلاقي في الالتزام بالحركة النسوية لتحسين وضع المرأة. كما كان لمواقف سيمون التقدمية في صعيد حرب تحرير الجزائر أثر على الحركة النسوية فقد حملت رايتها مع رفاقها من جماعة سارتر وكامو حيث كانت توزع المناشير التي تؤيد الثورة الجزائرية في شوارع باريس.
أما الباحثة والمحللة جوليا كريستيفا فقد تعرضت لموضوع الهجوم والانتقادات التي تعرضت لها بوفوار ليس فقط كأديبة أو فيلسوفة إنما لحياتها الخاصة التي لم تكن حياة مثالية بالمعنى التقليدي. فعلاقتها بسارتر ورفاقه الوجوديين كانت لها الأولوية على حياتها الخاصة وهي لم تتزوج سوى الكتابة وقضايا تحرر المرأة ولم تكن صداقتها مع سارتر ترمي بظلالها على الحرية الشخصية لكل منهما، كانت النزعة الإنسانية وحرية الفرد هما البوصلة التي سارا عليها، كل منهما يحب الآخر بإخلاص لكنه حر بجسده. إنما لم يقلل ذلك من شأنها الفلسفي ومكانتها الكبيرة.
وتشير كارولين فوريست إلى أن بوفوار هي من جسد نقطة البدء وأنها مثال المرأة المثقفة التي وضحت مسألة التحرر النسوية، تقول: إن أهمية كتابات بوفوار تنبع من معاصرتها لكل زمان ومكان وحركة تحرر النساء لا يمكن أن تبتعد كثيراً عن الحركة المناهضة للاستعمار وحركات التحرر الوطنية من الاستعباد والاستغلال ففي كتاب «الجنس الآخر» أشهر أعمال بوفوار لا تزال طروحاتها حية لها ديمومتها لأنها تتناول الثورة الذاتية، كما ينصهر علم الاجتماع بالأخلاق للإنسان في كل مكان، ثورة أنتروبولوجية ويعتبر «الجنس الآخر» ذات نفحة ثورية لأنه ثورة على تخلف المرأة وثورة على تخلف المجتمع.
أما ليليان كانديل وهي إحدى المناضلات في حركة التحرر كما أنها عاصرت سيمون وشاركتها في إصدار مجلة «الأزمنة المعاصرة» فتعود إلى أربعة عقود مضت لتسلط الضوء على تجربتها الخاصة مع بوفوار وشلتها وكيف كانت تشجعهن على المثابرة وإثبات الوجود والسعي للوصول إلى وعي سياسي إضافة إلى الوعي الجنسي ولتنتهي بأن الطريق كانت شاقة وأن المطبات كانت كثيرة غير أن تشجيع سيمون لهن كان بمثابة منارة لطريقهن في حين أن اللواتي هن من الجيل الصاعد أنصار حركة التحرر يتجاهلن الجهود والتضحيات التي بذلها الرعيل الأول بعد أن حصلت الفئة الجديدة على المكاسب دون جهد مضنٍ، تقول كانديل: كنا أربع أو خمس نساء طلبنا من بوفوار أن توافق لنا على الكتابة في المجلة فطلبت لنا عدداً خاصاً عملنا على إعداده خلال ستة أشهر وسميناه «النساء تعاند» ثم اقترحت علينا كتابة أخبار دورية وعملنا بجد ومثابرة خلال صيف كامل ثم جمعنا أطناناً من الوثائق تميز بين الجنسين.
اليوم أنا أشكر بوفوار على كل ما قدمته. لقد أرخت لمرحلة بين الحربين وحتى الربع الأخير من القرن العشرين، إلى جانب مذكراتها التي تؤرخ لمسيرة المرأة الغربية منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى وفاتها منتصف الثمانينيات.
من أعمال بوفوار: «الضيفة»، «المثقفون»، «الصور الجميلة»، «المرأة المنكسرة»، «دم الآخرين» أما رائعتها «الشيخوخة» فتدرس في الأدب الفرنسي كمادة مهمة في العلوم الإنسانية يقول عنها الناقد الفرنسي الكبير فرانسوا نوريسييه:
ظلت طالبة باستمرار تبحث عن البؤس المدفون واللقاءات المفيدة. إن سيمون تزعجنا أحياناً لكنها كثيراً ما تؤثر فينا.