تنبع أهمية فيلم الكاتب الشبح أنه يحكي عن منطقتنا بشكل أو بآخر ويتخذ من العموميات خيوطا درامية من خلال كشف خفايا أحد أقطاب السياسة في أوروبا،ومحور الفيلم هنا يدعى (ادم لانغ) يتبنى مواقف أميركا وكأنه ذيل لسياستها ،وهو ما يذكرنا بموقف توني بلير من غزو العراق،وسبق أن نشر موضوع فى موقع بي بي سي عن الفيلم بعنوان (شبح تونى بلير يهاجم السيد لانج) ألمح إلى ما حدث فى العراق بمباركة بلير عندما اتخذ بوش قرار الحرب.
والأساس الأدبي للفيلم رواية نشرها الصحفي البريطاني (روبرت هاريس) في عام 2005 استوحاها من شخصية رئيس الوزراء البريطاني (توني بلير) وكتبها هاريس بعد تأثره بموجة الغضب ضد سياسة بلير ومطالبة الكثيرين بمثوله أمام محكمة العدل الدولية فى لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب ،وقام هاريس ببعض التغييرات بين الشخصيتين،واتخذ اسم (ادم لانغ) بطلا للرواية هروبا من مقاضاته ، واشترك هاريس مع بولانسكي في كتابة سيناريو الفيلم.
لكن الفيلم يتخذ جانبا آخر من الأحداث ،ففي الفيلم يتفق ناشر أميركي على نشر مذكرات ( آدم لانغ) وتم تكليف كاتب ظل بتدوينها حسب ما يمليها عليه (لانغ) ولأن الناشر يريد تسريع انجاز المذكرات يستضيف (لانغ) مع الكاتب في بيت يملكه الناشر في جزيرة نائية .
ويتعرض الكاتب الشبح لحادث يودي بحياته ، فتم الاتفاق مع كاتب ثان وفي هذه الأثناء، يصرح وزير بريطاني سابق أن ادم لانغ وافق على تسليم وكالة المخابرات الأميركية عدة مواطنين مشتبه بهم في الانتماء إلى خلايا إرهابية تعرضوا للتعذيب على أيدي عملاء الوكالة.
وأثارت الصحافة هذا الخبر على شكل فضيحة سياسية وتحركت جموع المحتجين ضد ادم لانغ بينما نصحه المحامي الخاص بعدم السفر إلى بريطانيا خشية اعتقاله في المطار، بناء على مذكرة قد تصدرها المحكمة الدولية لجرائم الحرب.
مع أهمية المضمون السياسي للفيلم ،وجرأة المعالجة فهو على المستوى الفني يذهب إلى المشاهد عبر التشويق والحركة ،ويستهل الفيلم بمشهد العثور على جثة (الكاتب الشبح مايك كارا) ليشد المشاهد إلى متابعة الأحداث ،وهو ما يعرف بحسن البداية،وليتتبع المشاهد بعد ذلك الكاتب الثاني كي يقوم بمهمة صياغة المذكرات،ويقطع المخرج هذا التشويق بمشاهد مؤثرة لها دلالات أيضا في مقولة الفيلم ،حيث الرياح الشديدة تبعثر أوراق الشجر بينما عامل نظافة لا يملك إلا أن يحاول جمعها ثانية. واهتم المخرج بإضفاء نوع من الجمالية على المشهد البصري من خلال إبراز جماليات المكان داخل البيت وخارجه حيث الطبيعة العذراء .
ومن المشاهد المؤثرة مشهد اكتشاف الكاتب سرا في طيات المذكرات كان سببا في لحاقه بمن سبقه،وهو مشهد خروج الكاتب من دار النشر حاملا النسخة الأصلية من المذكرات،وتأتي سيارة مسرعة وتدهسه، ولا نرى كمشاهدين سوى أوراق النسخة الأصلية من المذكرات تتطاير قادمة من خارج الكادر لتتبعثر في الطريق، مثل أوراق الشجر التي رآها الكاتب في بداية الفيلم ، كنوع من العلاقة الدرامية بين الدلالات البصرية لرؤية الكاتب ومصيره. بعد أن توصل الكاتب إلى أن الكاتب السابق قتل لأنه اكتشف وجود صلة لانغ ووكالة الاستخبارات الأميركية،وعندها ازداد قناعة بأن حياته باتت معرضة لخطر حقيقي لا محالة.
تدخل بولانسكي في صياغة السيناريو السينمائي بدا من خلال تعميق العلاقة الخفية بين شخصية الكاتب الشبح الأول وبين الكاتب الشبح الثاني والزعيم السياسي،ويتحفنا في النهاية بمفاجأة من العيار الثقيل عندما نعرف أن الأشباح الذين يلعبون في الخفاء كثر ،ومنهم زوجة ذلك الزعيم الموالية لسياسات خارجية ,وليس زوجها . ويلاحظ أن بولانسكي ترك عمدا اللقطات الأميركية المشهورة (المتوسطة)،كنوع من استيائه مما حدث له في أميركا ،واستعاض عنها باللقطات القصيرة والمونتاج الحاد السريع .
ومما أخذه بعضهم على الفيلم أن الطروحات السياسية كانت مباشرة ،ومنها عمالة ذلك السياسي للمخابرات الأميركية، لكن هذه المباشرة لم تنتقص من الفيلم بل كانت في محلها وعمقت أهميته .