تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الموقدة.. تشتعل.. ودموعنا تنهمر

الجولان في القلب
الأثنين 14-3-2011م
سوسن خليفة

الشتاء في قريتنا مميز وحكايته لا تشبه الحكايات التي نسمعها فعند هطول الأمطار الغزيرة يتشكل سيل على شكل نهر غزير

والصورة التي لا تفارق خيالي منذ طفولتي حتى الآن منظر الآباء والأمهات وهم يحملون أولادهم على ظهورهم حتى يصلوا إلى مدارسهم خوفاً من السيل ويتابع بهيج بدر ابراهيم 65 عاماً من الجولان الحبيب حديث ذكرياته الذي يعود إلى طفولته المبكرة وعمره لم يتجاوز العامين والنصف يقول: أتذكر حادثة جرت في الحرش وأنا واقف أسمع صوت امرأتين الأولى تدعى تنيه والثانية كوكب والدنيا شارفت على الغروب وحينها دوى صوت طائرة في الجو وكانت تسمى في ذلك الوقت طيارة أم كامل سمعت تنيه تقول للكوكب فوتي اللحاف إلى الدار أحسن ما تشوفوا الطائرة وتقصف المكان وحدث ذلك أثناء حرب فلسطين على ما أذكر..‏

ويضيف بهيج والله لو عدت الآن إلى المكان لأقف فيه وأعرفه وأتخيل المنظر بكل تفاصيله.. مع الحوش والإمرأتين والطائرة ومما لا ينساه أيضا الحفرة الدائرية في الغرفة التي يطلق عليها «الموقدة» حيث يتم وضع الجل وسط الحفرة ويوضع فوقه الحطب أول بأول وتشعل النار للتدفئة فالصوبية لم تكن معروفة في تلك الأيام..وعندما تشعل «الموقدة » تنزل الدموع من عيوننا لكثرة الدخان المتصاعد.. ولحقي دموع...!!‏

ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل إن سقف البيوت المؤلف من القصب والخشب يصبح لونها أسود حالك مثل الليل من أثر الدخان أيضاً والذي لا يعرف اللون الأساسي للسقف يظن أن السواد نوع من الدهان...!! وبعدها وصلت صوبيات الحطب ومن ثم صوبيات المازوت التي كان يقتنيها الأفندي أو المختار أو الأستاذ ويتم جلب المازوت بالتنكة ونساء هؤلاء يرتحن من الذهاب إلى الحوش وحمل الحطب ووقتها بدأ دلال المرأة ولا يزعلو مني النسوان.‏

وتعود الذاكرة ببهيج إلى الصف الرابع وتحديداً في العطلة الصيفية عندما عمل في تكسير الحجارة أمام المدحلة التي تدحل الطريق ومن ثم يرش الماء بليرتين يومياً ويضيف: كان الأهل يعودون أولادهم سواء كانوا «بنات أو صبيان» على العمل وهذه مينرة في ذلك الزمان أن يعتمد الطفل على نفسه ولو كان يدرس هذا رأي.‏

ويتذكر بهيج «نهفة » حصلت مع أحد أقاربه ويدعى «أبو موسى» وهو رجل كبير في السن فقد اتفق بهيج مع أصدقاء له ووقتها كانوا في الصف التاسع أن يشربوا دخان «أبو موسى» الموضوع في العلبة والمعروف عنه أنه لا يستطيع الجلوس دون تدخين حتى يروا ماذا يفعل في حال انقطاعه من الدخان «أبو موسى» الموضوع في العلبة والمعروف عنه أنه لا يستطيع الجلوس دون تدخين حتى يروا ماذا يفعل في حال انقطاعه من الدخان وجهزوا له العشاء وبدؤوا بالتدخين من علبة فخجل أن يقول لهم شيئاً وبعد أن انتهوا من تناول الطعام طلب منهم «أبو موسى» أن يجلبوا باكيت دخان فقالوا له الساعة التاسعة ليلاً ولا يوجد محلات تفتح الآن في القنيطرة وقتها سألهم «أبو موسى» هل أنتم تدخنون فقالوا: نعم وماذا تدخنون..؟! فأجابوا: ندخن أعقاب السكائر التي رميناها على الأرض..؟! فقال: أليس هذا عيباً ؟! قالوا نعم ولكن عندما ننقطع من الدخان هذا ما نفعله..؟! ومضى أكثر من ساعتين وأبو موسى لا يعرف كيف يحصل على الدخان...وشفقنا عليه وقلنا له: يا عم سنحدثك حديثاً إذا عرفت أنه صحيح أم كذب نعطيك كروز دخان قال: هيا حدثوني وحدثه أحدنا حديثاً كله كذب وقلنا له ما رأيك بما سمعت: فخاف أن يقول ما سمعته كذباً أن نزعل ولا نعطيه الدخان، وإذا قال الحديث صحيحاً أن يكون عكس ذلك ولا يحصل على الدخان..وتوجه إلينا بالحديث قائلاً والله بدي أحكي بتعطوني منيح وما بتعطوني لا تعطوا..؟!‏

وقال لصاحب الحديث: والله إنت كذاب مثل إبني محمد وضحكنا وقلنا الله حيوا عم أبو موسى وأعطيناه ثمانية باكيتات من الدخان.‏

هذه الحكايا وغيرها من القصص التي نتداولها يومياً مع أصدقاء الطفولة نرى في كل حرف منها صورة قريتنا في الجولان الحبيب ببساتينها وبيوتها وحجارتها وشوارعها.. كل هذه الأشياء تعيش في قلبي هكذا يختم «بهيج » حديثه ويضيف: أتمنى لو أعود لتلك الأرض الطيبة وأعيش فيها وأشم هواءها وأتطلع إلى سمائها إنها في القلب الذي ينبض بحبها دوماً..!!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية