كل ما في جولاننا يدل على أصالته، مكتشافات أثرية كثيرة أعطت توثيقاً للجولان السوري كمنطقة لها حضورها القديم الذي يعود إلى ما قبل التاريخ.. وهذه هي قبور الدولمن تسرد حكايات جولانية تعود لعصر البرونز بعد أن اعتقد علماء الآثار أن المنطقة تفتقر لآثار ما قبل التاريخ، إلا أن القبور نقضت الفرضية وأصبحت علامات تدلنا على أحوال سكان المنطقة في تلك الحقبة وكيفية معيشة الناس وتطورهم، بالإضافة إلى أنواع المهن الموجودة، مثل بداية الزراعة، طحن الحبوب بواسطة أجران حجرية، طقوس الموت والدفن وغيرها من الدلالات.
ويوضح خبير الآثار الأستاذ أحمد غسان، مختص في الدولمن: إن هذه المقابر التي اكتشفها عالم الآثار شومخر سنة 1884 في جنوب سورية تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد وتدل على اكتشافات أخرى لأنواع الأحجار التي استخدمت، وإلى نظام مجتمعي مدني كان يعمل بشكل حضاري حيث تم اكتشاف كتابات ولوحات محفورة على شكل فجوات صغيرة بهدف القيام بعمليات حسابية ما يدل على بداية الحساب والتدوين.
وفي إشارة إلى أهمية هذه الآثار وضرورة المحافظة عليها يضيف قائلاً: إن العالم شومخر اكتشف الآلاف من هذه القبور في الجولان من شماله إلى جنوبه وفي محافظة درعا، حيث تملك سورية أكبر مقبرة دولمن في العالم إلا أنها لم تلق عناية كافية من الجهات المختصة، ولازالت تنهب وتسرق من قبل لصوص الآثار وخاصة في المناطق المحتلة، وقد نقص عدد هذه القبور كثيراً.
وتعد دولمن شواهد حية على جوانب من معتقدات الإنسان الجولاني القديم، فهي عبارة عن قبور دائرية الشكل لها طراز معماري خاص تبنى فوق مصطبتين إحداهما فوق الأخرى من حجر البازلت المنتشر بكثرة في الجولان.
وحسب مديرية دائرة الآثار في القنيطرة، هناك تشابه كبير بين قبور الدولمن في أوروبا وقبور الجولان السوري، إلا أن الدولمونيين السوريين استفادوا من قشرة الآبار التي تشكلت من القمم البركانية لإنشاء قبورهم كما استفادوا من البيئة دون تكلف وأهمها حجر البازلت، حيث يينى فوق المصطبة صف من البلاطات البازلتية ويتراوح ارتفاعها نحو 95 سم وسماكتها 30 سم تغطي غرفة بطول 160-210سم بشكل مربع غير متواز يتجه محوره البنائي من الشرق إلى الغرب وتغلق النهاية الشرقية والغربية ببلاطتين.
يقول الأستاذ تيسير خلف في كتاب «المرجع في الجولان»: تم التعرف على آلاف الأضرحة والمدافن في أرض الجولان، على الأقل هناك سبعة نماذج متميزة من الأضرحة تم اكتشافها، إلا أنها تشترك ببعض النقاط، فجميعها تبنى على مصاطب دائرية ترتفع قليلاً فوق سطح الأرض وتتشكل من 6 بلاطات واثنتان تغطيانه، والاتجاه الغربي للدولمن أوسع من الجانب الشرقي، بالإضافة إلى وجود ما يسمى غرف التخزين.
وهناك معتقدات عديدة ترافق هذه الآثار أهمها أن الجسد يسجى في الدولمن بشكل يواجه الشمس والرأس في الغرب ويظن أن الإنسان في ذلك الوقت كان أكثر ضخامة.
هذا جانب من الجوانب الكثيرة التي شكلت تاريخ وحضارة الإنسان الجولاني ودفنت معها حكايات وقصص لم نسمع إلا الجزء القليل عنها.