أعرافها عليهما كما غيرهم الكثيرون على مدى أعوام كثيرة وما زال هناك من يتمسك بها حتى هذا التاريخ.
المبادلة أو المقايضة تسميات لنوع محدد من الزواج سمع به الكثيرون منا لكن هناك من عاشه وهناك من دفع ثمنه من تشرد أولاده ودمار أسرته وراحة باله واستقراره. وهناك من ما زال يتذوق مرارته فالحياة مشروطة بالغير وعلى الغير أن يرسم خطوط الحياة!!..
في هذا الريبورتاج حاولنا أن نرصد هذه الظاهرة والوقوف على أسبابها والحلول المقترحة من وجهة نظر العديد من الأسر الذين كانت لهم تجارب مع هذا النوع من الزواج .العرف الاجتماعي
تنتشر ظاهرة زواج البدائل في الأرياف أكثر من المدن وبين الأميين أكثر من المتعلمين لأنهم الأقدر على فحص جوانب المشكلة وأكثر قوة في التصدي لها وإيجاد الحلول لكن ما حدث مع نهال الحاصلة على إجازة في التاريخ كان عكس ذلك إذ وقعت ضحية العرف الاجتماعي والعرف كما يعلم الجميع أقوى من القانون والمنطق! تقول نهال: حصلت على الشهادة الجامعية بتقدير جيد جداً وكان لدي رغبة كبيرة في متابعة الدراسات العليا ولكن خوف أهلي من عنوستي جعلهم يرغموني على الزواج بطريقة المبادلة، وقفت حائرة أتجرع مرارة الألم ولكن إلى متى فالجميع مطبق برأيه علي ولا أحد لديه القدرة لسماع مبرراتي ووجدت نفسي في النهاية أرضخ للواقع الذي فرضوه، وما حصل بعد الزواج أني بذلت الكثير من الجهود لخلق حالة من التفاعل والانسجام مع زوجي الحاصل على الشهادة الابتدائية والذي لا يفقه شيئاً في الحياة إلا كيفية إصلاح السيارات وبعد إنجابي لطفلين كانا بالنسبة لي العوض عن كل خسائري طلق أخي زوجته بسبب خلاف نشب بينهما فاستحالت بينهما الحياة ليأتي من يقول لزوجي يجب أن تطلق ابنتهم كما طلقوا أختك وعلى الرغم من حب زوجي لي ورغبته في حماية عائلته من الضياع إلا أنه كان أضعف من الوقوف في وجه هذا العرف والنتيجة أنهم حكموا على منزلي بالانهيار وعلى شملنا بالتشتت أنا التي دفعت ثمن هذا الزواج مرتين مرة بإرغامي على الزواج ومرة بإرغامي على الطلاق.
الشاب يدفع الثمن!
وقصة محمد لا تختلف عن قصة نهال لكن الغصة على ما يبدو أكبر من حيث أنه شاب والمتعارف عليه أن المسموح للشاب في كثير من المجتمعات غير مسموح للفتاة فكيف وهو الرجل يدفع حياته وسعادته ثمناً لإنقاذ أخته من العنوسة؟ يقول محمد: أرغمني أهلي على الزواج من فتاة اختاروها لي وهذا كان شرط أهل العريس فإن تزوج ابنهم من أختي فيجب أن أتزوج من ابنتهم وبعد رفضي مدة أشهر وإصراري على هذا الرفض وافقت تحت ضغط الأهل وإلحاح أختي بكلمات لا تزال تنخر عظمي وبعينين تملؤهما الدموع:
هل ترضى أن أبقى عانساً كل العمر؟ كيف ترضى ألا أعيش مثل كل الفتيات وأكون أسرة ويكون لي أولاد؟ ... إلى ما هنالك فكانت النتيجة أن خضعت للأمر الواقع وتزوجت ولكن» يا فرحة ما تمت» فقد كان زوج أختي سيىء السمعة وأخلاقه أيضاً سيئة وقد كان يضربها ضرباً مبرحاً لأقل الأمور تفاهة وتستحيل الحياة معه يوماً بعد يوم وفي كل مرة تأتي فيها أختي إلى بيت أهلي في لحظة غضب أضطر بضغط من الأهل أن أجعل زوجتي تذهب إلى بيت أهلها حتى تتم مصالحة أختي وعودتها إلى بيت زوجها وما زلنا نعيش على هذا الوضع ويضيف بكثير من اليأس: بالنسبة لي لم أتذوق طعم الاستقرار الزوجي على مدى أربعة أعوام الذي هو عمر زواجنا ولست متفائلاً أن أعيشه يوماً ما لأن مصير حياتنا لم يكن يوماً ما من صنع أيدينا ولن يكون لأنه وبكل بساطة مرهون باستقرار الآخرين وهذا إلى حد ما بعيد المنال .
غلاء المهور
أمام غلاء المهور وقعت مها ضحية الرضوخ لزواج المقايضة هي التي كانت ترفضه في صغرها جملة وتفصيلاً، تقول مها كنت وأنا في المرحلة الإعدادية أرفض هذا النوع من الزواج وأمقت هذه العادة السيئة التي حطمت قلوب الكثيرين من الشباب والصبايا ولم أكن أعتقد للحظة أني سأدفع ثمنه مثل غيري ممن سبقوني وتتابع ساردة قصتها: أحببت شاباً من قريتي وبادلني حبي بحب لا يقل عنه واتفقنا على الزواج وتقدم لطلب يدي وفوجئت بأخي يرفض هذا الزواج رفضاً شديداً بعدها علمت أن جارتنا علمت بقصة حب أخي لابنتها وبأنها اشترطت على أخي زواجي من ابنها لتوافق على زواجه من ابنتها وإلا فإنه لن يستطيع دفع مهر ابنتها الذي سيكون فوق قدرته على احتماله ووعدته إن وافق على هذا الزواج فلن يضطر إلى دفع المهر وهذا سيوفر على العائلتين دفع المهور بسبب المقايضة كما أنه وسيلة من وسائل التحايل على غلاء المعيشة التي لا طاقة للعائلتين به وهذا ما حدث فعلاً فقد كان زواجي قرباناً لحب أخي ولكن التضحية لم تقف عند هذا الحد فمنذ لحظة زواجنا بدأت المشاكل فقد كانت والدة زوجي متحكمة في مصير العائلتين معاً فإن أحضر لي زوجي شيئاً كان يتحتم على أخي إحضار مثيله لزوجته وإن ذهبت في زيارة إلى بيت أهلي على أخي إرسال زوجته إلى أهلها وإن غضبت من زوجي قامت الدنيا على رأس أخي الذي يسارع إلي لإصلاح الموقف وبهذا نكون جميعاً كالدمى في يد حماتي حتى بت أخاف من كل شيء.
حل للعنوسة!
بعد شهرين من احتفال أحمد وأخته ريما بزواجهما الميمون من أسعد وساهرة وهما أبناء عمومة كان الطلاق لهما بالمرصاد فريما لم تعتد على الابتعاد عن أهلها لذا كانت زياراتها كثيرة لهم بعد الزواج ولم يرغب والدها بكسر خاطرها وهي الفتاة المدللة في أسرتها وهذا ما أثار حفيظة بيت عمها وأهل زوجها فاتهموها بقلة التربية وبعدم فهمها لطبيعة العلاقة الزوجية وتقديرها أنها انسلخت عن أهلها لتلتحق بأهل غيرهم لا يقلون أهمية عنهم بل يفوقونهم وهم بيت العم وأهل الزوج الواجب عليها تقديرهم واحترامهم وكانت هذه الكلمات بمثابة الشرارة التي اندلعت بين الهشيم وكبرت المشكلات ولم يستطع أحد التدخل بالصلح بسبب السباب والشتائم التي خرجت من كلا الطرفين بحق الطرف الآخر فكان الطلاق بالمرصاد للعائلتين ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل أدى ذلك إلى الشقاق الأبدي بين الأخوة وبين العائلتين ككل وهذا أدى إلى رحيل عائلة أحمد وريما عن القرية التي نشؤوا بها وابتعادهم كلياً عن أهلهم وأقربائهم؟
ضغوطات
وإن كان الطلاق المصير الحتمي لعدد كبير من الأسر جراء زواج البدائل بسبب ما تعانيه الأسر من الضغوطات الاجتماعية الكبيرة من قبل الأهل إلا أنها تختلف في قصص أخرى فعلى الرغم مما عانته سراء وزوجها جاسم بسبب الضغوطات الكثيرة من الأهل جراء زواج البدائل، لكن النتيجة اختلفت عندهما بسبب الوعي الذي يتمتعان به كلاهما وعدم السماح لأي إرهاصات خارجية بالتأثير على حياتهما، فسراء تعرفت على جاسم خلال فترة دراستهما الجامعية، وبعد التخرج كان لا بد لهما من الزواج وأثناء الخطبة تعرف أخوها سعيد على إيمان أخت خطيبها، وقام بخطبتها، فاعتبر الأهل والمجتمع أن العروسين بدائل، وهذا ما وفر عليهم أعباء مادية كثيرة، فقد أقاموا عرساً كبيراً مشتركاً ترك انطباعاً كبيراً عند جميع أهالي الضيعة، ولكن بعد مضي أربعة أعوام على هذا الزواج بدأت العلاقة بين سعيد وإيمان بالتدهور بسبب ارتباطه عاطفياً بابنة الجيران وهذا ما اعتبرته خيانة لها لا تستطيع احتمالها رغم وجود طفل صغير فانتهت علاقتهما الزوجية بالطلاق بالرغم من كل محاولات الصلح التي لم تجد نفعاً وسبب لنا هذا الكثير من المشاكل من قبل أهلي وعائلة زوجي، لكننا صمدنا أمامها ودافعنا عن ارتباطنا..
حلول
برأي الدكتور سمير الشيخ الحلول مرتبطة ارتباطاً أساسياً بمستوى التعليم ويؤكد على ضرورة الحض على تعليم المرأة في كل المجتمعات لأن للمرأة المتعلمة استقلاليتها في الرأي وهي غير خاضعة خضوعاً أعمى لرأي الأب أو الأم أو العائلة. إضافة إلى أن عمل المرأة يشكل لها حصناً منيعاً ضد كافة الأخطار الاجتماعية ويضيف: عندما تعيش المرأة معزولة عن العالم الخارجي يكون تأثير المحيط عليها كبيراً ولكن المرأة العاملة تحتك بالبيئات المختلفة وتستطيع عندها التمييز وتكون مكتفية ذاتياً فلا يستطيع أحد فرض رأيه وإذا تم الزواج والطلاق فليس هناك حاجة لأحد أن يعيلها، فالتعليم للمرأة والرجل ضروري إضافة إلى العمل الذي يحقق الاستقلالية المادية والاستقلالية في الرأي إضافة إلى التوعية في وسائل الإعلام ورجال الدين الذين يمكن أن يلعبوا أدواراً ايجابية وحاسمة كالتوعية من سلبيات وأخطار هذا الزواج ويمكن التدخل لإرضاء كلا الطرفين وإصلاح المشكلة ويؤكد على ضرورة إعطاء أدوار حقيقية للاختصاصيين الاجتماعيين الذين ما زال عملهم محصوراً في نطاقات ضيقة معللاً أن إعطاء الدور الايجابي للاختصاصي الاجتماعي يساهم في إيجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية ويقوم بدور الوسيط المقنع الذي يحول دون وصول الطرفين إلى المحاكم.