لخلق جو من الحوار وكسر حاجز الرهبة بينهما نجد بالمقابل عدداً لابأس به من هؤلاء اليافعين غير مكترث بمستقبله الدراسي وهم مازالوا على مقاعد الصفوف الأولى من المراحل العمرية والدراسية.
فقلما تخلو جلسة اجتماعية عائلية من أن يخصص معظمها للحديث عن الأبناء ، دراستهم ، مستقبلهم منهاجهم، شقاوتهم ، أساليب التعامل معهم؟ مادفعني لهذه التوطئة هي جملة مشاهد تكاد تكون يومية
نراها صباحاً مابين التاسعة والعاشر مجموعة من الطلاب هنا وهناك بلباسهم ومحافظهم في الطرقات وفي الساحات وفي السرافيس غير آبهين بالوقت الثمين الذي يهدرونه أو عدم الإحساس بمسؤوليتهم وواجبهم تجاه الأهل الذين يبذلون الغالي والرخيص من أجلهم.
منذثلاثة أيام صعد ما يقارب خمسة طلاب من أمام إحدى المدارس في ريف دمشق إلى السرفيس باتجاه دمشق وأعمارهم تدل على أنهم في الصف السابع أو الثامن وقد رنّ موبايل أحدهم فكانت الدردشة التالية وبصوت عالٍ «صباح الخير، كيفك، وينك إنت؟.. أي لاتنبسط كثيراً أنت كمان معاقب معنا، جهز حالك أنا والشلة في الطريق قادمين إليك بهذه الكلمات العامية اختصر الكثير من الصور التي تشبه بعضها في كثير من الأحياء والحارات سواء في المناطق البعيدة أو القريبة عن المدينة هي عينة تمتلك من الجرأة والقوة أن تتغيب عن المدرسة وتذهب لقضاء الساعات لغاية نهاية الدوام الرسمي في أي مكان آمن أو غير آمن ليكونوا على الموعد في منازلهم كأن شيئاً لم يحدث، صورة أخرى ذكرتها إحدى السيدات المربيات من أن ابنها يهددها كل اسبوع بأنه سوف يستقبل رفاقه من صفّه لقضاء ساعات طويلة بالتسلية المتعددة الأساليب من حاسوب (ورق شدّة) أو أي شيء آخر إلا الدراسة، تقول الأم إن ابنها ذكي ومجتهد لكنه لايدرس إلا حسب المزاج وفوضى الزمالة تؤثر على الجميع فهو يطلب منها المصروف لإكرام رفاقهوإن لم تقم هي بإعطائه النقود الكافية للضيافة وفي المنزل تحديداً يقول لها سوف نذهب إلى مكان عام أو خاص نأكل ونشرب ونصرف مانريد، هذا السلوك ينذرنا بأن الاستقلالية وتراخي الأهل مع أبنائهم في هذه الأيام مع توفر كل أدوات الترفيه ولدت نزعة من الأنانية والفوضى والتمرد عند الأبناء واليافعين من الطلبة مايجعل الفجوة تتسع وتتناقض المشكلات والشجون وفقاً لنظرة كلا الطرفين وإذا ماعدنا إلى المشهد الأول وهوتسرب هؤلاء الطلبة من مدرستهم في وقت الدوام فإن السؤال المطروح ما الدافع والأسباب الرئيسية للتسرب من التعليم هل هو عجز الطالب أو اليافع عن الاجتهاد في دراسته بسبب صعوبة المنهاج أم أن هناك إعاقة بسيطة أو حدوث مشكلات مع المدرسين أسئلة طرحتها على عدد من الشباب في مقتبل عمرهم حيث أكد بعضهم أن الرسوب في الامتحان يعد من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تركهم الدراسة بمعنى أنهم يشعرون بالعالم وكأنه تحول إلى مكان مظلم، وقد يؤدي الرسوب في امتحان الشهادة الإعدادية أوبعض الصفوف الانتقالية بصاحبه إلى إيذاء النفس في حين يجد آخرون بأن السبب الثاني للتسرب من التعليم هو الفقر الذي يعجز معه الأهل عن دفع تكاليف القرطاسية واللباس الموحد والمواصلات وهذه ربما لاتحصل إلا في بعض الأرياف البعيدة، فيما السبب الثالث حسب رؤية عينة من الشباب هي المشكلات العائلية فأحدهم صرح أنه يهرب من المدرسة باستمرار وكلما ضربه أهله ازداد هروبه؟.
يقابله سبب رابع أفصحوا عنه يتعلق بالزواج المبكر وغالباً ماينطوي الأمر على اثنين أو أكثر من هذه الأسباب.
والمفارقة في محاكمات هؤلاء أنهم يعون جيداً أن التسرب من التعليم قد يدمر حياة الطفل ومستقبله مايتوجب على كل الأطراف المعنية أن تشجع الأبناء جميعاً على إكمال تعليمهم حيث المناخ التعليمي في سورية يشجع على ذلك كثيراً إذ يعترف الجمبع أبناء وأسر ومجتمعاً ان الأمر الجيد في سورية أن التعليم الأساسي هو مجاني وتكاليف التعليم الثانوي والجامعي رمزية والعديد من المدارس تؤمن الأدوات اللازمة لأبنائها ولاسيما المحتاجين فعلاً من الطلبة هي مجرد إشارة ربما بسيطة للوحة كبيرة معقدة تجتمع في وسطها هموم ومشكلات الأسرة مع أبنائها والكل مسؤول دون استثناء والذي يتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى هي الأسرة التي تنطلق منها اللبنة الأولى في التربية ومن ثم المدرسة بمراحلها المختلفة وانتهاء بضوابط وقواعد المجتمع الذي يحتضن أبناءه في مؤسساته ومعاهده وفروعه وكلياته العلمية حسب رغبة كل فرد، وبالتالي ليس المطلوب هو الشدة والقسوة مع الأبناء لدرجة القمع والصرامة ولا التراخي لدرجة التماهي وقلة الهيبة واللا مبالاة وإنما الأسلوب المسؤول الذي يحدد الحقوق والواجبات ماذا على الأبناء أن يقوموا به والأسرة ماذا تقدم لتحقيق الطموح والهدف المنشود بحيث يسعد كلا الطرفين بما ينتجه من إيجابية تجاه الآخر.