عن رغيف خبز ساخن يسنده إلى وجهه الذي يصفعه الزمهرير بقسوة.
ها هو يمشي تائها حزيناً وسط الضجيج الأخرس الذي فقدت أوتار حنجرته عازفاً يتوشح بالنور ، يتكلل بالدفء يطير في عوالم لازوردية باحثاً عن زهرة قرمزية جميلة تشبه آثار عناق الشمس للبحر عند الوداع..
لقد فقد كل شيء صوته حتى تلك البلابل المغردة اختفت والأشجار سكنت، وحيداً يجلس تحت هذا المصباح الهرم الذي كره حياة البؤس والشقاء، وخيم صمت قاتل يصرخ بكل قوته في وسط هذا الجو المليء بالحزن والفرح والهدوء والصخب، فراشة تعانق نوراً وظلاماً ، تقاوم وتقاوم تروح وتدور حول ذاك المصباح الذي تئن عظامه وكأنها اتخمت من الصقيع الذي يستبيح حرمة الوجود دون استئذان، عندها تبدأ ندف الثلج الحريرية الناعمة بالانهمار برفق من أحشاء الغيوم التي صبغت بهدوء خيم على الكون.
يبتسم القمر ابتسامة حزينة فيبدو من خلالها بائساً. معصوب الجبين. ها هو يصل إلى المنزل ليلقي نفسه في الفراش، وعندما يستيقظ ويرى الشمعة قد خبا نورها والفراشة تهشمت أجنحتها عندها يدرك أن الأمل ما زال مصراً على تجاهله ، كانت الأضواء متناثرة في كل مكان فبدت كأنها أمل تائه في وسط بحر مليء بحطام الضياع.
لقد كان الليل مطبقا أجفانه على معالم الكون الحزين وقد حط رحاله في جعبة الأيام وهو يشعر كأنه ممزق الأطراف مقطع الأوصال لم يبق منه إلا بضع من مزق ثوبه الكالح الذي يلقي على العالم نشوة الخيبة التي لا معنى لها.
يشعر بذلك ويبتلع غصة حزينة تختنق في ثنايا قلبه، ها هو يحلق في الفضاء يطير بين البيوت، ينظر إلى المشردين ويتفقد أحلامهم يمضي بين المداخن ليروي قصص المأساة.
ها هو الفجر يفتح عينيه ويلقي على الكون بثوبه النيلي الجميل ثم تنزل قطرة ندى على جبين الروح التائهة التي ماتت من سنين يبتسم بحزن ثم يعود إلى موطنه الدافئ.