ولم يتوان عن وصف حصار غزة بالجريمة البشعة, كما رأى أن محاولات واشنطن لإضعاف حماس هي محاولات غير مجدية, وقال صراحة في الجامعة الأميركية في القاهرة إن الفلسطينيين في القطاع يموتون جوعاً ويأكلون أقل بكثير من أسوأ بلدان إفريقيا فقراً, إلا أن الحدث الأكبر الذي ركزت عليه وسائل الإعلام الفرنسية هو إصرار حامل جائزة نوبل للسلام أن يلتقي في القاهرة ثم في دمشق مسؤولين سياسيين من حركة المقاومة الإسلامية حماس.
رغم أن (إسرائيل) والولايات المتحدة أدانتا بشدة هذه اللقاءات, لكن كارتر تصرف كرجل حر وعالم بالأمر من خلال معرفته وتجربته السياسية ومن خلال إشرافه على سير الانتخابات الفلسطينية يوم فازت حماس وهو يعلن أنها حركة متجذرة وليست عابرة, ويدرك أنه لا يمكن إنكار وجودها بالرغم من المعارضة لبرنامجها ولا أحد يشك بأنه لا يمكن قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة دون الأخذ بالحسبان وجود حماس القوي. فمنذ عام تقريباً جلس إسماعيل هنية إلى جانب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في قمة الرياض والتي أطلقت من جديد المبادرة السعودية حول تطبيع العلاقات الكاملة مع (إسرائيل) مقابل قيام دولة فلسطينية عند حدود عام ,1967 وترى اللوموند أن مماطلات عملية السلام التي انطلقت في أنابوليس والأخطاء الكبرى لمنظمة فتح التي يرأسها عباس مثل اكتشاف 3000 هاتف محمول مهرب في سيارة أحد مساعديه عن الحدود تجعل مهمة الغرب أكثر صعوبة, وليس مستبعداً أن تسيطر حماس على الضفة الغربية بعد أن سيطرت على غزة وهم لا يزالون يرفضون التحدث معها.
إن طرح الغرب على حماس بعد فوزها الساحق في انتخابات 2006 الشروط الثلاثة كان بالواقع مجحفاً وقاسياًَ, عندما طلبوا إليها أن تتخلى عن الكفاح المسلح والقبول بالاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير و(إسرائيل) والاعتراف بإسرائيل, لقد رفعوا بذلك الحواجز عالياً. مع أنه كان من الممكن استخدام وسائل شبيهة بالتي استخدمت مع منظمة التحرير في السابق بإقناعها تدريجياً بالتخلي عن مقولة حق (إسرائيل) بالوجود.
كارتر يرى أنه يجب فتح قنوات حوار مع حماس, الأوروبيون الذين لم ينتقدوا مبادرته اكتفوا بطرح التساؤلات. أما الناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية لم يتردد بالإعلان صراحة أن هذه اللقاءات لا تتفق مع السياسات الأميركية في الوقت الذي رأى فيه وزير الخارجية الألماني أن تشجيع حماس على الجلوس في المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي قد يضعف هامش المناورة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.. لكن لا بد من القول إن هذه اللقاءات عبارة عن انطلاق سيناريو جديد في المنطقة, ومن الممكن أن يقبل الغرب مستقبلاً بوجود حركة حماس التي أتت بآلية ديمقراطية على الساحة السياسية في المنطقة ضمن إطار الاستراتيجية الغربية, لقد ثبت فشل كل محاولات الغرب التي هدفت إلى إبعاد حماس عن الساحة السياسية ولا يخفى على أحد أن الساسة الأميركيين أمسكوا في السنوات الأخيرة بالورقة السياسية على طريقة سيف أموقليس, أي تركوا في بعض الأحيان أوروبا تلعب دور المفاوض بهدف دعم النظام الصهيوني ,علماً أن بعض المراقبين السياسيين في أميركا يرون ضرورة دخول الولايات المتحدة في حوار مباشر مع حماس.
إن زيارة كارتر للمنطقة تفسر موقفه من (إسرائيل) وانتقاده لنشاط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ودعمه مؤخراً للشعب الفلسطيني وخاصة بعد أن نشر في بداية عام 2005 كتابه عن فلسطين ,الذي حمل عنوان السلام وليس التمييز العنصري. والذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الأميركية حتى في تلك التي تعمل في مؤسسته بالذات حيث استقال حينها 14 عضواً من مركزه تحت تأثير انتقادات اللوبي الصهيوني والمسؤولين في نظام تل أبيب. وهجومهم على كارتر وهذا ما يفسر رفض أولمرت لقاء كارتر أثناء وجوده في (إسرائيل) مسوغاً ذلك أنه لا يستطيع لقاء كارتر قبل يومين من لقاء الأخير مع خالد مشعل. ولم يتردد الرئيس الأميركي السابق في أن يشير بجرأة إلى أن قادة حماس الذين التقاهم عبّروا عن عدم رفضهم لمعاهدة سلام مع (إسرائيل) ولو أنجزها عباس ,لكن شرط أن تخضع هذه المعاهدة للاستفتاء المباشر لدى الفلسطينيين.
من أهم الأسباب التي دعت كارتر للقاء السوريين وحماس هو رغبته في أن يكون مثلاً يحتذى به, وأن يشجع المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية على مثل هذه الخطوات التي لا بد منها في المستقبل القريب لكل من يبحث عن السلام الحقيقي.