وما قد يتأتى عن ذلك من نتائج قصيرة وبعيدة المدى على ما اصطلح عليه الكتاب الإسرائيليون بالبيئة الاستراتيجية المحيطة بإسرائيل أولها سقوط أكبر الأخطار الاستراتيجية المحدقة بإسرائيل المتمثل بالعراق وما يشكله من ثقل وموقع وتأثير في الصراع العربي الإسرائيلي إلى جانب مادرج الكتاب الإسرائيليون على تسميته في ذلك الحين( التوقعات الملتهبة) على الصعد الإقليمية والدولية وما قد تجنيه إسرائيل من فوائد اقتصادية جمة, لكنه سرعان ماتبين للإسرائيلي العادي أن ذلك كله لم يكن سوى ( حلم عذب في يوم قائظ) على حد عاموس هرئيل مراسل هآرتس العسكري, وخاصة في ظل تزايد الهواجس والمخاوف الإسرائيلية من أن تتحول مقاومة الاحتلالات إلى بيئة استراتيجية تحيط بالكيان الإسرائيلي وعلى ضوء المأزق العميق الذي تواجهه السياسات الأميركية في العراق والورطة الاستراتيجية التي تعيشها القوات الأميركية هناك, وفي أعقاب نتائج الحرب العدوانية على لبنان في تموز ,2006 وما كشفته لجنة فينوغراد من إخفاقات كان لها كبير الأثر على مايدور في إسرائيل حالياً إلى جانب الطريق المسدود الذي تصطدم به السياسات الإسرائيلية- الأميركية في ساحة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
فالمتتبع للشأن الإسرائيلي يلحظ تزايد القلق الإسرائيلي وعلاقته بما يحلو للكتاب الإسرائيليين بتسميته المخاطر الوجودية التي تواجه إسرائيل مما يجري في العراق في المرحلة الراهنة والمقبلة.
فقد نقلت معاريف ما أكده وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد في خبر نشرته نيويورك تايمز قوله:( نعرف الآن أن 160 ألف جندي بعد الاحتلال فشلوا في إحلال الأمن, وأن نفقات الحرب كلفت الخزينة الأميركية في خمس سنوات 845 بليون دولار, وأن النفقات النهائية بحسب تقدير الاقتصادي جوزف ستيغلتر, لن تقل عن ثلاثة تريليونات دولار, وقد تصل إلى خمسة تريليونات, كذلك نعرف أن الحرب هي المسؤولة مباشرة عن انكماش الاقتصاد الأميركي, وتراجع الاقتصاد العالمي كله معه, ولعل ما أورده شموئيل رونزر مراسل هآرتس في واشنطن في تقرير له تحت عنوان ( العراق بعد خمس سنوات من حرب بوش) ما يؤكد انعكاس ذلك كله على إسرائيل, وهو إذ يبدأ باستعراض ماحققته إدارة بوش من أهداف استراتيجية من وراء غزوه للعراق فإنه يرى أن المبالغ الفلكية التي تضخها الخزينة الأميركية لتغطية استمرار الوجود الأميركي هناك قد انعكست سلباً على الاقتصاد الأميركي بحيث بات هذا الاقتصاد يواجه أزمة صعبة تشبه تلك الأزمة التي شهدها الاقتصاد الغربي عامة والأميركي على وجه الخصوص بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية, الأمر الذي جعل هذه الأزمة تؤثر بشكل مباشر ليس على الاقتصاد الإسرائيلي فحسب وإنما :( على السياسة والمجتمع والأمن بشكل خاص ) كما يقدر رون بن يشاي في يديعوت أحرونوت.
ويصف رونزر مراسل صحيفة هآرتس في واشنطن في معرض تعليقه على استجواب قائد القوات الأميركية والسفير الأميركي في العراق أمام الكونغرس الأميركي بأن الوضع هناك سيستمر في التدهور إلى مابعد فترة إدارة بوش بدليل ماقاله الجنرال باتريوس قائد القوات الأميركية : إن أي انسحاب من العراق سيعد هزيمة نكراء للإدارة الأميركية الأدهى والأمر من ذلك في نظر مراسل هآرتس ماقاله أحد النواب الأميركيين مقاطعاً باتريوس: ( ألا تعتقد أن وجود القوات الأميركية في العراق يعطل وحدة العراقيين)?.
على أية حال, ليس الوضع غير المطمئن في العراق في نظر المحللين والكتاب الإسرائيليين وحده ما يشغل بال إسرائيل ولاسيما مع اقتراب مغادرة بوش البيت الأبيض وفي خضم المعركة الانتخابية الأميركية فهناك الكثير من الملفات التي لا تقل أهمية وحساسية عن الوضع في العراق, مثل ملف المفاوضات الفلسطينية والوضع على الحدود الشمالية, وغزة, والملف النووي الإيراني, وهو ما ينتظر الإسرائيليون المزيد من الهدايا من بوش خلال زيارته للمشاركة في الذكرى الستين لاغتصاب فلسطين وإقامة الكيان الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية وفي ضوء الجدل المحتدم حول شيخوخة هذا الكيان وعدم الثقة بجيشه وفقدان بريقه لدى الإسرائيليين أنفسهم قبل المعجبين به في أوروبا وأميركا وفي ظل قراءة الكتاب والمحللين الإسرائيليين للتقديرات الاستراتيجية التي وضعتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أمام المسؤولين الإسرائيليين مؤخراً والتي وصفت بأنها الأكثر سوداوية وقتامة في تاريخ إسرائيل وصل ببعض هؤلاء الكاتب للقول:( إن مجرد الاطلاع عليها يجعل الدم يغلي في العروق).