لقد انتشرت ظاهرة لطالما استرعت انتباهنا في بعض الفضائيات العربية ,وهي ظاهرة ال sms,أو (خدمة الرسائل القصيرة).ويتم استخدام هذه الخدمة عبر الهاتف النقال بكثافة في عملية التصويت أو الاختيار في برامج عدة أكثرها ترفيهي وبعضها جدي .فإذا أردت المشاركة في اختيار سوبر ستار العرب ,أو ستار أكاديمي ,أو ملكات الجمال,أو ترشيح أغنية أو فيلم معين,فما عليك سوى إرسال smsبموقفك أو تعليقك, ولن يستغرق ذلك غير دقائق معدودة محسوبة بدقة لتضمن تحقيق العائد المطلوب.والأرقام المعلنة في هذا الصدر مثيرة للدهشة والاستغراب,فقد وصل عدد المشاركين في برنامج واحد وفي مدة لاتتجاوز أربعاً وعشرين ساعة إلى سبعة ملايين.
وفي محاولة إعلامية لتطوير الموضوع تقوم إحدى الفضائيات بعرض شريط أسفل الشاشة يحوي الأخبار الشخصية لأصحاب الرسائل القصيرة,عندما يشاهدها البعض للمرة الأولى يعتقدون أنها أخبار عن الأحداث والكوارث التي يواجهها العالم على مدار الساعة ,ولكن عند قراءتها يجدونها إهداءات شخصية وتعليقات غربية و عبارات شاذة تظهر مباشرة على الشاشة دون أي مراجعة أو رقابة , رغم أن بعضها يضم كلمات تخدش الحياء العام,ناهيك عن المسابقات وتبادل الأغاني أو تسجيلها أو إرسالها لآخرين أو تغيير رنات الهاتف النقال,فكل هذا لايحتاج منك سوى إرسال smsعلى رقم معين .ومؤخراً قامت بعض البرامج الحوارية التي تناقش قضايا اجتماعية مهمة باستثمار الموضوع,وهي تطلب من المشاهدين المشاركة في اختيار أحد الحلول المناسبة لمواجهة مشكلة معينة من خلال إرسال sms.
ومن البداية,نود أن نوضح أننا لسنا من أعداء التطور أو عدم الاستفادة من التقنيات الحديثة,لكن لكل شيء سلبياته وإيجابياته ,وهي أمور يجب أن نأخذها بعين الاعتبار وعندما نتعامل مع أي خدمة إعلامية تقنية جديدة.وللأمانة ,فإن للظاهرة جوانب إيجابية عديدة,من أهمها العوائد المالية الكبيرة سواء من جراء الاتصالات أو الإعلانات ,بالإضافة إلى جوانب أخرى تشمل :(1) منح المشاهد فرصة التعبير عن رأيه فيما يخص شخصاً أو قضية يعنى بها.
(2) خلق دور تفاعلي ومؤثر للمشاهد في الوسيلة الإعلامية.
(3) بناء رأي عام تجاه بعض الموضوعات الترفيهية أو للتسلية.
(4) الاستفادة مما توفره التكنولوجيا من إمكانيات للاتصال والتواصل مع الآخرين.
(5) ترسيخ ثقافة الديمقراطية التي تجعل الأقلية تتقبل رأي الأغلبية.
وإذا كانت بعض البرامج التي تتعرض للقضايا الاجتماعية قد استفادت من موضوع الرسائل القصيرة في دفع المشاهدين للمشاركة في اختيار أحد الحلول المطروحة لقضية معينة,فإن ذلك يعني بدرجة ما أن للموضوع بعداً اجتماعياً يصعب التغاضي عنه,لأنه يدفع المشاهدين إلى التفكير في أنسب الحلول وفق معايير مختلفة تعتمد على الخلفية العلمية للمشاهد وثقافته وخبرته في الحياة,ومن ثم تبرز المشاركة الوجدانية المجتمعية.
ولكن على الجانب الآخر توجد سلبيات عديدة سوف تلقي بظلالها على الحياة الاجتماعية للأسرة والمجتمع العربي,من أهمها :
(1) إن الاعتماد على الرسائل في التواصل بين الأشخاص سيؤدي في النهاية إلى ضعف الروابط الاجتماعية.
(2)إنه اتصال من جانب واحد ومن ثم لايوجد ما يؤكد أو ينفي واقعية الاتصال,لذلك فإن الشخص ذاته حينما يختار بديلاً من البدائل المعروضة لمرات عدة يعتبر مخادعاً,لأنه يعبر عن رأي لفرد واحد على اعتبار أنه مشاركة لعدد كبير من الأشخاص .
(3)إشغال الرأي العام وإلهاؤه عن قضاياه الرئيسية.
(4) ابتزاز المشاهد مادياً من خلال الإعلانات المستمرة التي تحثه على المشاركة.وعلى سبيل المثال,فقد دفع مشاهدو الدول العربية 20 مليون دولار في حلقة واحدة من حلقات إحدى برامج المسابقات .
(5) الافتقار إلى المصداقية لعدم وجود أي رقابة على حقيقة التصويت أو نتائجه.
(6) أحياناً تتم إثارة النزعات الطائفية أو العرقية أو الوطنية ما يثير حساسيات بعض مواطني الدول التي يتنافس مشاركوها في البرامج.
والتساؤل الذي نطرحه:هل أصبح sms بديلاً في القيود الشديدة المفروضة داخل مجتمعاتنا بشأن حرية الرأي والتعبير?وهل أصبحت هذه الرسائل القصيرة لغة التواصل بين الشباب العربي للتعبير عن مواقفهم?هل تحول الهاتف النقال من وسيلة اتصال إلى وسيلة للمعايشة الكاملة بعد أن تحول إلى حاسب آلي وجهاز تصوير وتسجيل فيديو واتصال بشبكة الانترنت وبنك معلومات وبرامج ألعاب إلكترونية?لقد أصبح الوضع أشبه بكرة الثلج التي بدأت بالانحدار من أعلى جبل الجليد,ولذلك فهي تكبر كل لحظة,فالمشاركة التلفزيونية باستخدام الرسائل القصيرة بخلاف الاستنزاف المالي أضحت استنزافاً لوقت الشباب ومدعاة للإلهاء,ورسخت عملية التفاوت في المستوى الاجتماعي,وتكاد تصل إلى درجة الإدمان في ظل التنافس للتصويت لشخصية بعينها على حساب شخص آخر .