|
قرى تجاور بحيرة الأسد... مسكونة بالعطش.. وأراضيها خصبة ولا تستصلح!! مراسلون وفي تفاصيل صورة هذا الواقع, ثمة مفارقة صارخة تكاد لا تصدق, ولايتقبلها العقل, وهي لماذا تهمل هذه السهول الواسعة الخصبة, التي تجاور بحيرة الأسد دون ري واستصلاح?!. تمتاز أراضي الجرنية السهلية, باتساعها, وقربها من بحيرة الأسد, ما يسهم في تخفيض كلف الاستصلاح, كما أن معظم قاطني المنطقة البالغ عددهم حوالي ال: (50) ألف نسمة هم من ذوي الخبرات الزراعية, وبقاؤهم حالياً دون مورد رزق, إن الجدوى الاقتصادية, والاجتماعية, والبيئية, للمشروع كبيرة وكبيرة جداً بالنسبة للأهالي وللوطن عموماً, ولايقارن بغيره من المشاريع الأخرى التي نفذت, أو مازالت قيد التنفيذ, والتي يتم نقل المياه إليها لمسافة تصل إلى (130) كم. ومن مساوىء تنفيذ بعض هذه المشاريع, الفاقد الكبير جداً في المياه, وعدم جدوى ذلك بالنسبة للفلاحين, مثل اقتطاع مساحات كبيرة للمصارف والمراوي تمثل (20%) من هذه المساحات, وتسديد رسوم استصلاح باهظة, حيث تبلغ تكلفة استصلاح الدونم الواحد حالياً على شبكات الري القديمة ( 40) ألف ليرة, وعلى شبكات الري الحديث (60) ألف ليرة, أو ربما أكثر من ذلك, عدا ماتسدده مؤسسة الاستصلاح لقاء فوات المواسم لأصحاب الأراضي, والتي بلغت مئات الملايين من الليرات السورية!!. تحيط بحيرة الأسد سهول ناحية الجرنية بشكل هلالي من جهتي الغرب والجنوب, وبطول أكثر من(70) كم, يتعانق على طول ضفافها الماء والصحراء في مشهد عبثي غريب, وتتناثر حول هذا الامتداد أعداد كبيرة من القرى المهجورة, تبعث في النفس مزيداً من الأسى والألم, وتتوسط الموقع امتدادات سهلية خصيبة من كل الاتجاهات, ويقسمها الطريق الواصل مابين الرقة والجرنية إلى قسمين, حيث يكتسب كل منهما اسمه من امتداد الجهة الجغرافية التي يقع فيها بالنسبة لمركز الجرنية, وهما: الجرنية الجنوبية: وتمتد من جنوب مركز الناحية, وامتداداً بمحاذاة الضفاف الشمالي للبحيرة بعمق أكثر من (25) كم, وطول أكثر من (30) كم, و امتداداتها السهلية هذه تتميز بالاتساع والخصوبة, ما يوفر الإمكانية للبدء بمشروع استصلاح معطيات مهمة كقربها من البحيرة, وإمكانية ريها, وقلة المسافة لأقنية استجرار المياه, وانعدام العوائق الطبيعية, ما يساعد على تحويل هذه السهول القاحلة الجرداء, إلى موارد إنتاجية تساهم في تعزيز واستقرار وتطوير الواقع الاجتماعي في المنطقة. وقد اعترى بعض قرى المنطقة الإهمال, والخراب, مثل قرى: ( ابتيت النجمة, بصراوي, ثلاث خراب, بير التيس, المنده, الملكد, العطشانة, المهناوي, دخان, صفيط, هدّاج, بير الحمام, بير سنجار, الجدي, أبو الشامات, شهيد الله, الخفي, بير سخني, حزوم, السهلة, واسطة الغمر, طويحينة, أبو صخرة, المحمودلي, الذيبة, بير المراد) وعدد آخر من التجمعات الصغيرة, وتصل مساحة هذا المسطح السهلي حوالي (35) ألف هكتار, ويعيش فيه أكثر من (25) ألف نسمة, ويتفرع عنه من الطرف الغربي امتداد آخر تتناثر فيه عدد من القرى.. كالكجي التي تمتد حتى جنوب قرية طويحينة- حلاوة, وضفاف البحيرة, وبمساحة تصل إلى حوالي (عشرة ) هكتارات , ويعاني جميع هؤلاء السكان من شظف العيش, والانتظار بسبب عدم معالجة ظروفهم, ومعاناتهم المستمرة منذ أن غمرت أراضيهم بمياه البحيرة ولم تعالج ظروفهم حتى اليوم, كونهم من شرائح فلاحي أراضي أملاك الدولة, وفلاحي المشاركة, إضافة إلى الفلاحين الذين تم بحث أسرهم في الأراضي التي غمرت بمياه البحيرة قبل الغمر, ولم يتم اعتماد هذا البحث الاجتماعي من لجنة الاعتماد في المحافظة آنذاك, ولذلك لم تعالج ظروفهم أسوة بغيرهم من الملاكين. وقد انتشرت بعض المشاريع الزراعية الخاصة ( المرخصة لبعض المزارعين) في الجهة الشرقية من الجرنية الجنوبية, وتميزت بارتفاع معدلات الإنتاج, ولكنها لم تحقق الاستقرار المنشود لضعف إمكانات الأفراد كذلك, وبعض المشاريع الزراعية الخاصة في الجهة الشمالية من الجرنية, حيث اتسمت بمعدلاتها الإنتاجية المرتفعة بالنسبة للمحاصيل الأساسية, وحازت على جائزة التفوق الإنتاجي في أحد الأعوام, ومع ذلك لم تحقق الجدوى المطلوبة. قام فلاحو حرم البحيرة بزراعة بساتين الزيتون تحت ظروف المنع والتوقيف, والمصادرة للآليات, وبالرغم من ذلك, تمكن هؤلاء من مواصلة تخديم وري أشجارهم المزروعة, ووصلت إلى الطور التبشيري والإنتاجي, وبمعدلات مواصفات قياسية من الجودة والنقاء, حيث بلغت أعداد أشجار الزيتون حسب إحصائية عام 1998 مايقارب ال : (400) ألف شجرة, وهذه تشكل مانسبته (40%) من مجموع أشجار الزيتون المزروعة في الرقة, إضافة لبعض الأنواع الشجرية الأخرى, ومن هنا تنبع أهمية الانطلاق لمشروع استصلاح متعدد الجوانب, لما يشكله من خطوة وطنية وإنتاجية مسؤولة. لقد كان الهدف من إقامة سد الفرات, وإنشاء هذا المسطح المائي العظيم المتمثل في بحيرة الأسد أن يرافقه استصلاح ( 640,000) ألف هكتار, ولكن إلى الآن لم يتم استصلاح أكثر من خمس المخطط وريه, ألا يحق لنا أن نتساءل من المسؤول عن هذا التقصير وإضاعة حقوق الأفراد والدولة?! ولماذا حرمان سهول الضفة اليسرى لبحيرة الأسد من الري والاستصلاح?! مع أن المياه قد استجرت لمسافات تصل إلى مئات الكيلو مترات شرقاً وغرباً لتروي مساحات صغيرة إذا ماقورنت بسهول الجرنية الواسعة التي نحن بصددها, ولأجزاء بعضها كان مروياً بالأساس ,ولم تنشأ عن تلك المشاريع التفاعلات الاقتصادية المرافقة والمحققة لتعدد موارد الدخل من حيث الاهتمام ب: (تربية الماشية, زراعة الأشجار, تحقيق الأرضية السياحية, وما قد ينشأ عن ذلك من صناعات زراعية تقوم على ذلك لو تم استصلاح وري أراضي الجرنية? وتبقى الجدوى الاقتصادية من إرواء سهول الجرنية تتمثل في ري عشرات آلاف الهكتارات, وتوفير الاستقرار السكاني لأكثر من خمسين ألف نسمة, وتنظيم وخدمة وري تسعة آلاف هكتار من بساتين الزيتون والأشجار المثمرة في حرم البحيرة, وتحقيق الأنشطة الاقتصادية, والتفاعلات الأكيدة الناجمة عن ذلك وهي: تربية الماشية في الهضاب المتاخمة لهذا المشروع, والتي تستوعب لقطيع يتجاوز عدده مئات الآلاف من رؤوس الأغنام, والاهتمام بتربية وتطوير الثروة السمكية, كإنشاء أحواض خاصة لتربية الأسماك على أطراف البحيرة, والصناعات الغذائية التي يمكن أن تقوم بعد إنجاز هذا المشروع, وتشجيع السياحة في تلك المنطقة الغنية بآثارها, وأيضاً المساهمة في تحسين الظروف البيئية.
|