تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أوتار..عندما خلقتِ ... خلقتِ بين موجتين

آراء
الأربعاء 23/4/2008
ياسين رفاعية

روى ابن عباس(ر) : لما أراد الله أن يخلق الماء خلق ياقوتة خضراء لايعلم طولها وعرضها إلا الله سبحانه وتعالى,

ثم نظر اليها بعين الهيبة فصارت ماء, فاضطرب الماء, فخلق الريح ووضع عليها الماء, ثم خلق العرش ووضعه على متن الماء وعليه قول تعالى: »وكان عرشه على الماء«- سورة هود - وقال تعالى :» ألم تر أن الله انزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض« - سورة الزمر- قال المفسرون هو المطر .ومعنى سلكه أدخله في الارض وجعله عيونا ومسايل ومجاري كالعروق في الجسد..‏

وكلما نظرت نحوك , أشعر أنك أنثى من ماء, الماء العذب بالدرجة الأولى حيث تمرين كل عشب يصبح أخضر, بك تنتعش قطرة الماء, وتتطهر الاسماك في مياهها, بحراً ونهراً وبحيرات.‏

ياشجرة باسقة من ماء وثمر وخيال, كهذا العمق العميق في البحر أحبك .فيك شيء من الشلالات والينابيع, فيك شيء من طهارة الماء, أنت الدوش في الحمام, وحنفيات المساجد للوضوء, أنت مكونات من كؤوس بقين والفيجة وعين الخضرا.‏

ترى لو لم يكن ماء في الوجود.‏

لو لم يكن مطراً يهبط من السماء.‏

لو لم يكن هناك ثلج يتوج الجبال.‏

أكانت الحياة تنهض, ويتفتح ورد, وينبت نعناع جميلة, يتقاطر من أناملك ما يروي الظمأ في الصحراء‏

أنظر في بحيرة البيت في الساحة المكشوفة,فيترقرق وجهك تحت الماء النقي. لاأحلم. انك تمدّين يدك من الحوض كعنق زنبق, كشتلة بنفسج, عطرها يملأ المكان.‏

كل ما تلمسه يدك يصبح شاباً وصبياً مجوهراً بالنعماء والبصر‏

إنك حورية جاءت من بحار بعيدة‏

عريك شلال بصري وفسحة من نور, بك تتكوّن الأحلام نهر جداول أغتسل بك في الشتاء والصيف ساعات طويلة أتأمل الامواج على الشاطىء,بانتظار قامتك الفارهة تطّل من العمق الازرق.‏

نبع فتوة ينبوع حياة.‏

كل ماء بارد في الصيف الحار, كل ماء حارٍ لفنجان الشاي‏

هذه الاحاسيس المبتلة بالرحيق.‏

هذه الامنيات التي تشبه طراوة جسدك.‏

وحدك المحسوس والملموس والواقع, وما تبقّى عكر وطين, وحدك الصفاء والنور, وما تبقّى ليل وسواد.‏

من النهر تنبعث اصوات لايسمعها أحد سواك‏

ماذا يقول لك النهر? أخبريني‏

هل أنت الأسطورة الملّحة على صخوره الجانبية‏

أم أنت المرآة‏

شعرك مضفور بالحكمة, مزدان بجواهر ولآلىء, شعرك المحنّى بالماء المكّحل بخل التفاح.‏

اسمع همسك موشوشاً كرقرقةٍ الماء ينحدر الى النهر وإلى السهوب صوت لايشبه أي صوت.‏

يندرج تارة بهدوء وطوراً باندفاع‏

ما أجملك‏

إذ تضعين قدميك الحافيتين في البحيرة الصغيرة تترجرجان يمينا ثم شمالاً‏

فيصبح الماء كعينين تحدقان في نورك الساطع المليء بالشجن‏

انت وسط الموج وردة يداعبها الهواء‏

هذا اللمعان في عينيك هو بريق الدموع الاصفى من النبع‏

هو الماء الرحمن وانت رحمة منه.‏

في كل لقاء بك تنتابني دهشة من يتعرف عليك لأول مرة‏

كل الحرائق تنطفىء بالماء قبل أي شيء آخر.‏

تعالي ياحبيتي أنا الحريق‏

عندما أموت, أغسليني بيديك واقرئي ما تيسّر, زيديني طهارة بكل دفق ماء أظن, وانا ممدد بين ذراعيك, سأفتح عيني فجأة وأسرق من وجهك النظرة الأخيرة.‏

في الليل. على ذلك الكرسي الخشبي في الحديقة,أرى انعكاس القمر والنجوم وجهك المترقرق تموجات صغيرة, في العمق وعلى السطح, يتراقص بهدوء وسكينة.‏

أنا الحالم في جوار البحر تصعدين حورية,و تشدينني من يدي لأغرق فيك‏

هل أنت البحر وانا قصيدة النهر?! ما من خلقٍ يحتويني سواك‏

أهل الهوى على طرف الجدول يأكلون العنب ويشربون مذهولين في حضرة الأنثى في حضرة القصيدة.‏

كل ما قلّد الماء أصبح تقليداً.. الزجاج والمرآة.‏

كل ما قلّد بكاء عينيك بكى ماء إلا دموع عينيك.‏

مذهلة في حضورك مذهلة في غيابك.‏

أنا الحالم في الرقود الى جانبك أمشي سريعاً ولاأصل.‏

صحيح.. صحيح.. أحببتك بعد الرحيل ألف ألف ضعف قبل الرحيل الآن ادركت كم انت غالية عليّ.‏

المستقبل أنا وانت.. المستقبل أنت وأنا ,أكيد‏

تكسر الرياح الامواج وتردها الى الداخل.‏

الرياح التي تهب من الأعالي وتصارع البحر ويصارعها‏

بك يستكين الماء وتطفو الاسماك‏

تشربين عصير التفاح كما تشربين الماء‏

رشفة بعد رشفة, قبلة بعد قبلة.. من كان العاشق منكما أنت ام الماء?!!‏

ياملاكاً بأجنحة كثيرة.‏

تطيرين بين الغيوم بخفة فراشة, تسبحين في البحر بخفة بجعة بيضاء‏

هي أنت أصبحتِ اشجاراً وطيوراً ونجوماً وقمراً وبشراً من كل لون‏

يالهذا الازدحام.. اكنتِ كثيرة الى هذا الحد?‏

يالعذوبتك.‏

كنت متفوقة على كل شيء‏

تفوّق الماء العذب على كل ماء‏

تضحكين فتضحك البحار والأنهار والينابيع, والموج يتملّى منك ولايمل‏

ومعاً اندمجنا الماء بالماء.. فمن يقدر على فصلنا‏

يانعمة الماء.. لم أرتو منك بعد‏

أظن أنك, عندما خُلقتِ, خُلقتِ بين موجتين.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية