وفي جيوبهم قبل رؤوسهم،والأمر ينسحب على باقي مؤسسات الانتاج الفني والاعلامي التي تدور حول نفسها فتلوك الملاك وتكرّر المكرّر بدعوى ان (الجمهور عاوز كده).
ما يزيد من غربة الأقلام الجديدة (ان حظيت بالظهور) أن النقاد_وحتى القراء_يستقبلون كتاباتهم كما يستقبل المداهنون نكت الفقراء والمعدمين على موائد محدثي النعمة,::تجاهل وعبوس وتجهم وكأنهم اشتموا لتوهم رائحة كريهة بينما تراهم يشمّطون الغني إذا عطس و يكيلون عبارات المديح و الإطناب والإعجاب للأسماء الملمعة بصرف النظر عن الهفوات والكبوات والتفاهات التي قد تصدر منها علاوة على ان مزمار الحي لا يطرب في كل عصر ومصر.
ما سر هذا التجاهل المريب للمحلي والبسيط القريب والتعلق المرضي بالغريب الذي يحيط نفسه بهاتة الغموض والتفرد؟
ما مصدر هذا الهلع من الأصوات المحلية الجديدة والمختلفة,ولماذا نتقبلها وافدة معلبة ونرفضها طازجة نابعة من بيئتنا؟!
هل هي أزمة ثقة في الذات و المحيط الذي نعيش فيه؟أليس الأمر يتعلق بأنماط حياتية أخرى في الملبس والمأكل والمشرب وسواها؟
أعتقد انه من السهل بل من التكاسل أن نجيب على هذه التساؤلات بعبارة:(إنها مجتمعات استهلاكية),لا شك أن عوامل أخرى قد أدّت إلى ما نحن فيه من بؤس ثقافي على الاقل ومنها الجانب النفسي والنزعة الفردية والاقصائية في مجتمعاتنا متجاهلين أن الإبداع سوق يتسع لمئات الدكاكين فلماذا هذا العداء الشديد للتنوع والاختلاف!..؟وما هذا الفقر الشديد في حس المغامرة والتجريب بداية من خيال الكاتب ووصولا الى ذائقة المتلقي....لعله بلا شك الخوف من الاختلاف لان الأخير يفضي إلى الخلاف والخلاف، لا تحمد عقباه غي مجتمعاتنا البطريركية.
وإذا كانت إحدى تعريفات الابداع هي قتل الاب واعلان اليتم الخلاق دون وصاية او رعاية او مرجعية فان الكثير من مبدعينا قد احتاجوا الى (عرّاب) يشرع منتوجهم ويعطيه صفة التداول كي يقبل به اهل الدار وذوو القربى كما حدث مع ابي القاسم الشابي في عشرينات القرن الماضي اذ احتاج إلى شهادة احمد شوقي وعلي محمود طه عبر مجلة «أبولو المصرية» ليعترف به التوانسة من اهل بلده وقس على ذلك من كتاب وموسيقيين ورسامين وغيرهم.على امتداد الارض العربية.
ومن الكتاب من انفلت من الحضانة الإبداعية وجعل من اليتم مؤسسة أنكى وأمرّ من الاعتراف بأبوة غيره فنصب نفسه سلطانا على مملكة الإبداع يعترف بمن يشاء ويقزم من يشاء متناسياً مهمته الأساسية فهل تحتاج الكتابة إلى صكوك اعتراف تمنح من كبير الكار او شهبندر الكتاب,؟..!
لقد امتلك هؤلاء تربة الحرية وفقدوا نبتة الموهبة والإبداع..فما قيمة ارض دون زرع وما قيمة زرع دون ارض.
حقا لقد اصبح التجاهل سمة يتصف بها المشهد الثقافي العربي وصنف الناس الى معرفات ونكرات،حسب الأمزجة وبوصلة المصالح الضيقة والكاتب الناجح هو ذلك الذي يتقن فن العلاقات العامة وتلك صفة أظن أن الكتاب الحقيقيين هم أبعد الناس عنها لأن سمة الإبداع الحقيقي هو الابتعاد عن الزحام بكل إشكاله, فما أصعب أن يتربع الواحد ممارسا لفن اليوغا في قاعة للبورصة أو أن يكون راهبا بوذيا في سوق أسبوعية.
قيل لماركيز:ماهوتعريفك للكاتب الجيد؟فأجاب بكل بساطةالكبار(:هو ذاك الذي يكتب بشكل جيد..)ولكن..ما هو معيار الجودة وسط هذا الزحام في الإنتاج والتلقي؟..سؤال في ذمة التاريخ...التاريخ الذي تغيب فيه الوجوه وتتغير المصالح ولا يعترف إلا بالإتقان...على ذكر الإتقان أراد احد المترشّحين لمجلس الشيوخ في اليونان القديمة أن يهين منافسه قائلا باستعلاء(لقد كنت تمسح نعل حذائي,فما الذي جعلك تطمح إلى هذا المنصب؟!)
رد الثاني(نعم سيدي لقد كنت أعمل ماسح أحذية ولكن قل لي بربك ألم اكن امسحه بشكل جيد.).
hakemmarzoky@yahoo.fr