|
لماذا يلجأ العرب إلى مجلس الأمن لحل مشكلاتهم؟ شؤون سياسية من خلال إصدار قرار بفرض حظر جوي على ليبيا ، بحجة حماية المدنيين من قصف الطائرات ، وذلك بدلاً من أن تقوم الجامعة العربية بمبادرة سريعة وفاعلة لحل الأزمة ، ومن ثم البدء بإجراء عملية مصالحة أخوية بين الفرقاء في ليبيا ، والتوصل إلى حل يوقف نزيف الدم ، ويوقف تدمير البنى الاقتصادية، ويرضي جميع فئات الشعب الليبي ويحقق طموحاته المشروعة في الإصلاح والاستقرار . فعندما أنشئت الجامعة العربية ، كان من أهم بنود ميثاقها التعاون العربي والحفاظ على أمن الدول العربية واستقرارها ، وحل المشكلات العربية الداخلية في إطار الجامعة وعدم السماح بتدخلات خارجية . فالجامعة العربية استناداً إلى طبيعتها وأهدافها ، هي بيت العرب والحاضن لهم ، وعليها أن تحافظ على أفراد هذا البيت ومساعدتهم في حل مشكلاتهم ، باعتبارهم يشكلون أسرة واحدة يجب الحفاظ على تمسكها وقوتها ، لأن في ذلك تماسك العرب وقوتهم في مواجهة التحديات الخارجية. ولكن الجامعة العربية بقرارها الأخير الذي اتخذته لمعالجة الوضع الليبي ، تبدو كأنها لم تعد قادرة على اتخاذ مواقف حازمة وقرارات حاسمة اتجاه القضايا العربية الداخلية على الأقل ، فراحت تتنصل من مسؤوليتها وتسلم أمرها إلى الخارج، ولاسيما إلى مجلس الأمن الذي أثبتت التجارب أنه لايجوز أن يحل محل الجامعة العربية وستكون قراراته بالتالي أو إجراءاته مبرراً لتدخلات خارجية ليست في مصلحة العرب في أغلب الأحوال ، مهما كانت طبيعة هذه التدخلات وأهدافها. والتجارب كثيرة في هذا المجال، إذ لم يتدخل مجلس الأمن في أي قضية عربية داخلية ، إلا وأعطاها طابعاً دولياً ، الأمر الذي يعقد المشكلة بدلاً من حلها . ولنا في فلسطين والعراق والسودان ولبنان، أمثلة واضحة على المفاعيل السلبية لقرارات مجلس الأمن ، على الرغم من التزام العرب بالشرعية الدولية ، ومطالبتهم بتطبيقها على الآخرين ولاسيما في الممارسات العدوانية للكيان الصهيوني ، والاحتلال الأميركي في العراق الذي شرعته الأمم المتحدة بدلاً من أن تدينه وتطالب بإنهائه فوراً ... ولقد وافق مجلس الأمن على قرار الحظر الجوي على ليبيا، والنتيجة هي قيام القوات الدولية بضرب مواقع الوحدات العسكرية الليبية . وتم التدخل العسكري الخارجي بشكل مباشر، وعليه، فإن الخسارة مضاعفة من طرفي النزاع في ليبيا ، خسارة بشرية وأخرى عسكرية ، إضافة إلى تدمير البنى التحتية وسيكون الشعب الليبي هو الخاسر الوحيد في نهاية الأمر . وهذا ماحدث تماماً في العراق قبل عشر سنوات ،ومازالت تداعياته مستمرة على الشعب العراقي . ألم يكن حرياً بالجامعة العربية ألا تتخذ هكذا قرار، قد لاتحمد عقباه على الدولة الليبية والشعب الليبي ، وعندها ماذا يمكن أن تفعل الجامعة؟ ومعروف أن أميركا وبريطانيا تتحينان الفرصة للتدخل في ليبيا والسيطرة على منابع نفطها، ولاسيما أن ليبيا في مقدمة الدول المنتجة للنفط ، وفي هذا الإطار رأينا أميركا وبريطانيا وفرنسا تسارع لتوجيه الضربات الجوية. لقد حذرت سورية بلسان مندوبها في الجامعة العربية - وتعليقاً على قرار الحظر الجوي - من مغبة أي تدخل خارجي في الشؤون الليبية الداخلية ، لما يترتب على ذلك من تداعيات قد تنعكس سلباً على الوضع العربي العام، في الوقت الذي طالبت فيه بوقف حمام الدم وحماية المدنيين ، ومعالجة الأمور بما يحقق مصالح الشعب الليبي . وإذا كانت ثمة دول عربية تشهد تظاهرات واحتجاجات شعبية مطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية ، فهل تطالب بتدخلات خارجية لمساعدتها؟ وهل يسهم ذلك في إعادة الأمن والاستقرار ؟ أم يؤسس لنظام جديد من الحماية أوالاستعمار ؟ يكون عاملاً على ظهور جديد لنظرية بوش عن الفوضى الخلاقة وخلق «شرق أوسط جديد»، بعدما فشلت كل محاولات إدارة بوش سيئة السمعة ، حيث ولت هذه الإدارة واندثرت نظريتها ومشروعها الشرق أوسطي. المطلوب من العرب عامة ، ومن الجامعة العربية خاصة ، توخي الحذر الشديد في تنفيذ ماعمدت إليه لحل الأزمة الليبية عن طريق مجلس الأمن ، حتى لايشرعن الاحتلال في ليبيا كما شرعن في العراق ، ويعاني الشعب الليبي كما يعاني الشعب العراقي ، وعندها ستبقى الجامعة العربية عاجزة عن تقديم أي مبادرة مجدية في ظل هذه الشرعنة غير الشرعية .
|