تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مبدعون عمّدوا مفرداتهم بالأمومـــة الفاخــرة..

ثقافة
الأثنين 21-3-2011م
هفاف ميهوب

(يرضع الطفل من أمه حتى يشبع ويقرأ على ضوء عينيها حتى يتعلم القراءة والكتابة ويسبب لها القلق والخوف إلى أن يتخرج من الجامعة وعندما يصبح رجلاً يضع ساقاً فوق ساق في أحد مقاهي المثقفين ويعقد مؤتمراً يقول فيه: (إن المرأة بنصف عقل).

هذا ما قاله شكسيبر أكبر شعراء الانكليز وعن الأم، مدرسة الإنسان الأولى، بل العاطفة التي لا حدود لدفئها ودفق عطائها وبما ألهمته إياه والدته التي علمته مبادئ الحياة وأحرف الهجاء وإلى أن انتظم في المدرسة دون أن يتخلى عنها كمرجعه الأساسي.‏

لم يكن شكسبير وحده من امتلأت كتاباته بدفء الأمومة ذلك أن هناك الكثير من الأدباء والشعراء والعظماء ممن نبضت أعمالهم بحنان ورعاية أمهاتهم وإلى أن دونوها بمفردات أكثر من رائعة.‏

نبدأ بالأديب الفرنسي مارسيل بروست الذي ولأنه كان مصاباً ومذ ولادته بمرض الربو أغدقت عليه والدته الحنان والاهتمام ما جعله شديد التعلق بها ودون أن يفارقها حتى لحظة وفاتها لتتعطل برحيلها فعاليته الحواسية ولتنهار أعصابه فيدخل المشفى ومن ثم يخرج لا يلوي إلا على الانعزال وفي غرفة كان قد عاش فيها مع والدته طوال أربعة وثلاثين عاماً، غرفة عرف فيها طفولته وطقوسها الأولى وسواء الاجتماعية أوالكتابية.‏

وهكذا عاش وحيداً في تلك الغرفة التي بدأ يكتب فيها ما نال لأجله شهرته الإبداعية ودون أن تغادر ذاكرته والدته التي قال بعد رحيلها:‏

لقد فقدت حياتي هدفها وعذوبتها وحبها الأوحد.. لقد فقدت تلك التي كانت رعايتها المتصلة تمنحني فيئاً آمناً وحناناً هو شهد الحياة..‏

ننتقل إلى الأديب الكولومبي (غابرييل غارسيا ماركيز) حيث كانت أبرز الشخصيات النسائية بروزاً في رواياته ومسيرته الحياتية شخصية الأم، أمه التي كانت أقرب إلى نفسه من والده وربما بسبب تغيبه الدائم بحثاً عن الرزق بالإضافة إلى تميزها ما أدى لنشوء علاقة استثنائية بينهما وبما دفعه للقول:‏

(كنت أشعر نحوها إضافة إلى الحب البنيوي المفهوم بإعجاب مذهل بطبعها كلبوة صامتة إنما ضارية في مواجهة المصاعب وبعلاقتها بالرب. تلك العلاقة التي لا تشبه الخضوع).‏

بيد أنه لم يستمد إعجابه بوالدته من قوة شخصيتها فقط وإنما أيضاً من قدرتها على حماية أسرتها من الانهيار وبصبر منحها عزيمة لا تعرف اليأس وثقة ساعدتها على تحدي المستحيل من أجل تأمين متطلبات حياة أطفالها.‏

إضافة إلى كل ذلك يرى ماركيز أن والدته تميزت بصفة نادرة وهي قدرتها على إخفاء قوة طبعها برداء من الرقة ما مكنها من فرض سلطتها الأمومية ليس على أبنائها فقط وإنما أيضاً على الأقارب البعيدين.‏

باختصار هي (مثل نظام كوكبي تتحكم به بصوت خافت ودون أن يرف لها جفن).‏

أما الكاتبة الصينية الأميركية (بيرك باك) فإنها لم تفكر بالكتابة أبداً إلا بعد رحيل والدتها ذلك أن التدريس في الجامعة أخذ كل وقتها لتقوم وبعد فقدانها لحنان الأم بمحاولة تصويرها بالكلمات وإلى ما شاءت الأحاسيس والصور والذكريات تتدقق في رواياتها تقول:‏

(كنت بأمس الحاجة لوجود والدتي حية لكنها رحلت فبدأت أكتب عنها من أجل أن تبقى صورتها في ذهن أطفالي بيد أني لم أدر أن هذه الصورة التي صنعتها باتقان ستكون أول كتاب لي تتلوه كتب أخرى).‏

أيضاً هناك الشاعر الفرنسي بودلير الذي أحب والدته وأخلص لها وتعلق بها رغم إهمالها له وتخليها عنه ولاسيما بعد أن تزوجت بعد وفاة والده بمن رغب بتفريقها عن ولدها.‏

إنه قدره الذي صرفه إلى حياة التشرد والصداقات الخائبة والدائنين والمرابين ودون أن يتوقف عن انتاج ما خلده وعكس مرارة حياته وكتبه ومرضه وتشرده.‏

رغم كل شيء بقي مولعاً بوالدته التي قال عنها: (أنا أحيا بحنانك، أنت لي وحدي إن حب الأم حب ثابت لا يتبدل).‏

أخيراً لابد من القول ليس هؤلاء فقط من كان لأمهاتهم أشد الأثر في تغيير مجرى حياتهم وكتاباتهم فغالبية الأدباء والشعراء والفلاسفة والفنانين تأثروا برحيل أو اهتمام أو اجحاف والدتهم ما جعلهم متفائلين أو متشائمين، منعزلين أو اجتماعيين عقلاء أو مجانين ومن الدرجة الإبداعية أو الروحانية.‏

نعم الروحانية وبدلالة ما كان لوالدة الشاعر والحكيم الهندي طاغور من أثر على تنشئته الأخلاقية وبما سبّب له بعد رحيلها الكثير من الألم والفقد والغربة، تلك التي دفعته للبحث عما يعوضه صقيع الحياة بدفء لم يجده إلا في أحضان الطبيعة ولدرجة أنه قال:‏

وجدت فيها أمي الثانية، أمي التي جعلتني صديقاً للبيئة مثلما جعلتني شاعراً وحكيماً، أشعل شمعة واحدة لتنير الكون إنها روحي.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية