فقد تحول كل ذلك بعد فشل جميع القوى الراغبة في التدخل في الشأن السوري الداخلي ودعوة القوى الغربية للتدخل عسكرياً إلى حالة من الإحباط الشديد بحيث دفع الكثير من المسؤولين الذين تسلموا مهام أمنية حساسة في الكيان الإسرائيلي للقول بأن «انتصار سورية يعد هزيمة استراتيجية لإسرائيل» على حد تعبير افرايم هليفي رئيس الموساد السابق في مقالة افتتاحية في يديعوت
واعتبر هليفي أن مبادرة كوفي عنان بمثابة فشل ذريع لكل من الولايات المتحدة وأوروبا وبعض دول الخليج وما تسمى المعارضة السورية في الخارج في إحداث أي نوع من التغيير الذي يخدم المصالح الإسرائيلية :«يزيد كوفي عنان الذي كان الأمين العام للأمم المتحدة سابقاً، في هذه الأيام جهوده للدفع إلى الأمام بحل لخروج سورية من الوضع التي تعيشه. وقد حظيت خطته ذات المواد الست بمباركة لاعبات مركزيات في الصعيد الدولي. واعتمدت روسيا والصين وتركيا على اقتراحاته وسيزور عنان في الأيام القريبة طهران (تمت الزيارة) بعد أن انضمت طهران أيضاً إلى الدول المؤيدة. ان عنان هو مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية، وهو يتحلى بأن بشار الأسد رئيس سورية أعلن موافقته على الخطة.
رسائل كثيرة
كلام ليفي من وجهة نظر كثير من المراقبين في الكيان الإسرائيلي يحمل بين طياته رسائل كثيرة أولها ، أنه يحذر الإدارة الأميركية وأوروبا وبعض دول الخليج وتركية من مغبة نجاح مهمة كوفي عنان ، وأن هذا النجاح وخروج سورية من الأزمة التي تعيشها يعني ليس انتصاراً لسورية فحسب وإنما يعني تغيراً جذرياً في المشهد الإقليمي والدولي ، تكون فيه سورية مفتاحاً لكثير من القضايا المهمة وعلى رأسها قضية الصراع العربي الصهيوني :«في الأثناء يخدم عنان أهداف الأسد جيداً وقد حدد مؤيدو أعدائه استمرار مساعدتهم للمعارضة عن توقع متسامح لنجاح البعثة السامية. وقلت إلى أن تلاشت دعوات الأسد إلى التنحي عن مكانه في أسرع وقت. بل بالعكس، أصبح في نظر عنان شريكاً حيوياً في الحل. وتغيرت مكانته الدولية. وهو يُرى الآن مرشحا جديا وهناك من يقول انه محقق لاستمرار ولايته في هدوء».كما يقول ليفي
ويرى ليفي أيضا أن صمود سورية له تداعيات سريعة إقليمية ودولية على غيرماتوقعته الإدارة الأميركية :»أسرعت وزيرة الخارجية الأميركية الى عاصمة السعودية لإجراء محادثات مع حكام المملكة تتعلق بسورية وإيران. ونُشر أقل القليل عن مضمون مباحثاتها في الرياض. وفي منتصف شهر نيسان سيتم لقاء بين ممثلي أعضاء مجلس الأمن الخمس وألمانيا وممثل إيران على ارض تركيا. وستظهر إيران تحت قناع شريكة حيوية للمجتمع الدولي في سعيه إلى حسم الوضع في سورية التي هي حليفتها الاستراتيجية.يتحقق واحد من أهداف طهران – وهو الاعتراف بمكانتها بصفتها قوة إقليمية في الشرق الأوسط – حتى قبل بدء المحادثات الذرية».
تحريض مستمر
ويتابع ليفي تحذيراته بل وتحريضه على سورية متناسياً ما يملك كيانه من أسلحة وما يحظى به من مساعدات عسكرية هائلة وغطاء سياسي على كل ممارساته بحق الشعب الفلسطيني من قبل الادارة الأميركية :«نُذكركم بأن لسورية حدوداً مشتركة مهمة مع إسرائيل. وهي تملك ترسانة عملياتية من السلاح غير التقليدي على صورة بطاريات صواريخ بالستية مسلحة برؤوس كيماوية مستعدة وموجهة نحو الجنوب فقط. وتُستعمل أرضها ممراً ضرورياً ناجعاً لحركة وسائل القتال المتقدمة من إيران الى قوات حزب الله في جنوب لبنان. وأن رفع إيران إلى مكانة شريكة محترمة حيوية في تسوية الأزمة السورية سيجعلها ذات اهتمام شرعي بكل ما يتعلق بالسلوك اليومي في دمشق وبكل ما يتعلق بمستقبل الحكم في هذه الدولة».
ويختتم ليفي مقالته على نحو تحريضي واضح وهو ما يؤشر لكثير من الجهود التي يحاول من خلالها أعداء سورية إفشال مهمة كوفي عنان وتخريبها أو التشويش عليها على الأقل :»اذا نجح عنان في إجراءاته واذا أحل السلام داخل سورية ووافق العالم على ذلك واذا سلمت تركيا وروسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والمانيا لتحقيق خطة عنان سنشهد أقسى هزيمة استراتيجية لاسرائيل في الشرق الاوسط منذ أصبحنا دولة.واذا أمكن كل ذلك من غير أن يحسب لنا عنان حساباً فستكون الهزيمة أكثر مرارة بأضعاف مضاعفة. فهذا هو التحدي السياسي الأمني المباشر الموضوع على باب حكومة إسرائيل، لكنها لا تزال».
الدور التركي
صحيفة معاريف تكشف في تقرير لمراسلتها في تركية «سارة ليفوفيتش – دار»الدور التركي المفضوح فيما يجري في سورية وتكشف في الوقت نفسه عن هذا الدور في احتضان ما يسمى «بالجيش الحر» الذي تصفه بأنه جيش على الورق حيث تقول في مقدمة التقرير:» العقيد الأسعد محمي في مخيم لاجئين منعزل قرب مدينة أنطاكيا، على مسافة غير بعيدة من الحدود السورية، برفقة 100 من جنود، 25 حارساً شخصياً سورياً مدربين على الحماية، تعززهم المخابرات التركية وضباط الشرطة الأتراك، مساعد شخصي وفريق من نصف دزينة، مستشارون إعلاميون ينقلون البلاغات للصحافة عن الخطر الكبير الذي يحدق بالأسعد في المعسكر في تركيا.
الحراسة حوله مشددة. لا أحد يخرج أو يدخل إلى المعسكر. صحفي من البي.بي.سي يرغب في أن يقابل الأسعد يضطر إلى أن يدير معه حديثا على السكاي بي من خارج المعسكر. صحفي من «النيويورك تايمز» نجح في أن يقابلة في مكتب صغير خارج المعسكر، يعود للحكومة التركية. الاسعد، الذي يحرص على أن يظهر في البث التلفزيوني بالبزة المرقطة، وصل الى اللقاء وهو يلبس بدلة عمل مع عشرة جنود أتراك مسلحين، بينهم قناص واحد. «اشتريت له البدلة هذا الصباح فقط»، اعتذر رجل وزارة الخارجية التركية الذي نظم المقابلة لـ «النيويورك تايمز».
الجيش «الحر» صندوق كرتون
ويتابع تقرير معاريف :»ما سمي بالجيش السوري الحر ليس سوى صندوق كرتون مخروق، قال المعارض لـ «التايم». «لا يمكن وصف جيشه بالجيش وهو لايمكنه أن يوزع الأوامر لأنه لا يوجد لديه جنود حقيقيون»، يضيف بزيل ايستوود، السفير البريطاني السابق في سورية في حديث خاص مع «معاريف». ويتابع ايستوود الأحداث في سورية ويعرف بعضا من النفوس العاملة هناك ويشرح فيقول إن «جيش رياض الاسعد هو جيش فقط حسب اسمه وليس حسب أفعاله».
«هذا ليس جيدا رغم أنه بالعربية يسمى جيشا»، يقول د. يرون فريدمان، المستشرق من دائرة الدراسات الإنسانية في التخنيون. يمكن القول: إن هذا جيش قيد الإنشاء ولكن لا يزال ليس جيشا حقيقيا». تقرير «هيومن رايتس ووتش»، الذي نشر قبل نحو ثلاثة أسابيع كشف النقاب عن سلوك غير عسكري للمنظمة. حسب التقرير، الجيش بقيادة الاسعد ينفذ أعمال اختطاف وتعذيب».
الصحافة الإسرائيلية هي الأخرى أصبحت أكثر إحباطا جراء الصمود السوري وسقوط الكثير من المخططات الإقليمية والدولية التي حيكت ضد سورية في الأزمة الأخيرة التي تعيشها ويمكن لأي مراقب أن يلحظ التغير الكبير في تحليلات الصحف الإسرائيلية فيما يتعلق بمجريات الأمور في سورية في هذه المرحلة .
مبادرة أنان
مئير عميت يقول في مقالة نشرتها معاريف:»مبادرة وقف النار لكوفي أنان، مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية، كان يفترض أن يدخل إلى حيز التنفيذ غدا ويشق الطريق إلى فتح حوار بين النظام والمعارضة. وأبلغ النظام السوري أنان بأنه يقبل الخطة ووعد بإخراج الجيش من مراكز المدن.
«هذا تفسير مغلوط»، أعلنت وزارة الخارجية السورية وأوضحت بان الجيش لن ينسحب من مراكز المدن، ولا حتى من أطرافها دون «ضمانات خطية» عن أن «عصابات الإرهاب المسلحة» تقبل بوقف النار. «حتى الان لم نتلقَ من كوفي عنان ضمانات على أن الإرهابيين سيوقفون العنف بكل أشكاله وسيسلمون سلاحهم للسلطات»، كما أفادت وزارة الخارجية السورية.
سمدار بيري مراسلة يديعوت للشؤون العربية كتبت تحت عنوان»الغرب يفهم: الرئيس الأسد يبقى»بعد 13 شهرا من اندلاع الأحداث في سورية، يمكن له أن يبتسم. فقد سيطر جيشه من جديد، على كل مناطق التي شهدت أحداث عنف في الدولة؛ القوى الغربية لا تستعد لإسقاطه بالقوة العسكرية بل تكتفي بالعقوبات؛ عمليا، الولايات المتحدة تعارض حتى أن يتلقى المعارضون، الذين ضعفت قوتهم، مساعدة عسكرية تتيح لهم رد الحرب. وعليه، فلا غرو أنه من ناحية الرئيس الأسد انتصر منذ الان وتغلب على «المؤامرة» كما وصفها. بعد ثلاثة أيام من إجراء الرئيس حملة النصر في مدينة حمص ، أعلن الناطق بلسان وزارة الخارجية السورية بأن «المعركة على إسقاط النظام انتهت». ناطقون في طهران منحوا الرئيس الأسد ريح إسناد حين ذكروا بأن إيران ملتزمة بالدفاع عن نظامه».
تسليح المعارضة
وتتابع بيري في يديعوت :»وليس هم فقط: الإدارة الأميركية أيضا تعارض تسليح المعارضة، وتقترح منح «فرصة أخيرة بالتأكيد» للأسد كي يطبق خطة أنان. «نحن ملزمون بتحديد جدول زمني متشدد لوقف النار في سورية» شددت كلينتون .في هذه الاثناء، تعرض المعارضون المسلحون لضربة ذات مغزى في أعقاب اعتقال نائب قائد الجيش السوري الحر، الميليشيا الرئيسة التي تقاتل ضد الرئيس الاسد، في ضواحي دمشق.
زلمان شوفال في مقال له في إسرائيل اليوم يقدر بان الولايات المتحدة ووضعها في المنطقة معرضة لهزيمة استراتيجية إذا ما خرجت سورية من الأزمة التي تعيشها بسلام :«هل الولايات المتحدة معرضة لهزيمة استراتيجية أخرى في الشرق الاوسط؟ سيُعطى جواب هذا السؤال حينما تتبين نهاية المعركة في سورية – وهي معركة لا تجري بين إدارة الرئيس الاسد ومعارضيه فقط، بل بين الولايات المتحدة وحليفاتها (ومنها تركيا) من جهة وبين ايران (وروسيا بقدر ما) من جهة أخرى. والمعركة هي على موقع التأثير المتقدم في الشرق الاوسط. وقد ترددت واشنطن في قراءة صحيحة للخريطة السياسية وبرغم أنها تحاول الآن تقويم الأعوج ربما تكون تأخرت عن الموعد.
سيتبين في الأيام القريبة هل يُحرز وقف إطلاق نار بين السلطة السورية والمتمردين. وبرغم انه لا يوجد أي شيء نهائي فإن الجهود الدبلوماسية للأمم المتحدة والجامعة العربية في هذه المرحلة تخدم مصالح الرئيس الاسد. وفي الاثناء على كل حال، لا توجد علامة على أن سلطة المجموعة السياسية والعسكرية حوله ستنهار. وكذلك توقفت الدعوات الدولية الى ان يتنحى عن السلطة، بل انه يُنظر اليه على انه شريك في تسوية محتملة.