في ساحات القتال، وفي الأحياء بين البيوت، وقرب المدارس، وأماكن العمل، فشهداؤنا ليسوا المقاتلين فقط من جنودنا، وإنما أيضا أهلنا الذين تمسكوا بإرادة الحياة والإيمان ببقاء بلدنا صامدة موحدة، فعلى أعمدة الكهرباء، وعلى جذوع الأشجار الباسقة وفي ساحات البلدات صور لرجال وأبناء فارقونا بأجسادهم، وباقون في قلوبنا وعقولنا بمعاني الموت الذي تركوه باستشهادهم، لم تكن هذه الحرب عادية وكذلك بطولاتهم وتضحياتهم.
جميعهم مشاعل النور، لكن بعضهم كان لشهادته معان أخرى، وهم أحبتنا الذين قاموا بأعداد قليلة ولفترات حصار طويلة، يحدثنا الناجون منهم عن أيام الحصار، وهم في الحقيقة يعلموننا الدفاع عن الحياة بابتكارات استطاعوا إليها سبيلا. ففي أكثر من بقعة حيث حاصرهم وحوش الظلام كانوا يَظهرون المخرون الحضاري والإنساني والشخصي والعقائدي و الإيماني ، للإنسان السوري أو أي إنسان اكتملت إنسانيته. اختار هؤلاء الرجال أن يَمنحوا موتهم صورة ومعنى غاية في النبل والثبات والانتماء ، قمّة في التحدي والمقاومة والعشق ، ذروة في الإنسانيّة والوعي والوحدة ، فكانوا يسيرون إلى الموت دون أن يرف لهم جفن ، أو يرجف لهم قلب ، أو يهتز لديهم إيمان أو يقين، ونسأل نحن بخشوع عن أي بنيان يملكون؟ كانوا أبطال في سابقة إنسانيّة فريدة ، كانوا الوطن كلّه في لحظة تحدّ غيرت وجه المشهد ، كانوا المنتصرين في شهادتهم ، والأحياء في موتهم ، والباقون برحيلهم ، كانوا أكبر من الموت الذي ساقته إليهم سحب الظلام ، وأقوى من الحديد والنار ، وأشجع من ظل تخفى خلف بندقيّة ، لم يتوسلوا الحياة من أناس سكنهم الموت ، ولم يطلبوا البقاء من أشباح تخاف الحياة ، ترتجف أمام الإنسان. قاوموا بكل ما أوتوا من إيمان وشجاعة وجاؤوا إلى الموت مرفوعي الرأس .
نتذكركم اليوم وكل يوم، وصوركم فرادى ومجتمعين تبقى في عقولنا قبل قلوبنا، شهداؤنا الأبطال.