بالأمس كنا نشتم سايكس بيكو التي جزأت المنطقة واليوم مع (ربيع الحريات) تعود اتفاقية التقسيم بجزئها الثاني وبلبوس الشرق الأوسط الجديد ليجاهر الكونغرس الأميركي علنا بضرورة تفتيت العراق وتجزئته .
الخطر الداهم الذي يتربص بالعراقيين ليس وليد الساعة بل هو نتاج عمل حثيث ونتاج مؤامرات أُعدت منذ زمن اتفاقية سايكس - بيكو (1915 - 1916) وما لحق بها من مقولات ومخططات وأفكار وردت في كتاب المفكر الصهيو - أمريكي برنارد لويس الملقب بسيّاف الشرق الأوسط ومخطط( سايكس بيكو 2»). ثم صارت اكثر وضوحاً في ما يسمى بمشروع جو - بايدن والذي يتضمن تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات مبنية على اسس عرقية ومذهبية ومن هذا المنطلق حاولت واشنطن بعد غزوها العراق إثارة الفتن وسعت لتمزيق النسيج الاجتماعي العراقي واستعانت بشعار الاستعمار (فرّق تسدّ).
غير أن العديد من المراقبين يعتقدون في أن الإرهاصات الأولى لتقسيم العراق قد بدأت عندما قرر مجلس الأمن بضغط أميركي تحديد مناطق حظر طيران تحت عنوان حماية طائفة دينية معينة وأقلية عرقية أخرى في الجنوب والشمال في تسعينيات القرن الماضي مع حرص الإعلام الأميركي على ترسيخ عبارة حماية «الأقلية العرقية كذا والطائفة الدينية كذا», وفي مطلع التسعينيات دعا المستشار في البيت الأبيض «آلان توبول»، من خلال موقع الكترونى تابع للجيش الأمريكى إلى الإسراع بتقسيم العراق، قائلا إن عدد دول العالم حاليا 193 دولة وليست هناك مشكلة إذا أصبحت 196 دولة، فى إشارة إلى 3دويلات ناتجة عن تقسيم العراق.
خطة جو بايدن لتقسيم العراق
(لا نستطيع أن نطلب منهم تقسيم العراق بل علينا أن نعمل كي يصلوا إلى هذه المرحلة ) هي كلمات جو بايدن نائب الرئيس الأميركي و مهند س تقسيم العراق الذي عمل بأمر من إدارته بعد الغزو على جرّ العراق إلى المخططات الجاثمة وراء اجتياحه فأخرج من أدراج التخطيط الإسرائيلي خارطة تقسيم العراق .
صوّت مجلس الكونغرس الأميركي في 26/9/2007 بأغلبية 75 صوتًا مقابل23 صوتًا بالموافقة على الخطة التي اقترحها السيناتور جو بايدن»، والخاصة بتقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات عرقية ومذهبية أو ما أطلق عليها بايدن فيدرالية (طائفية) كما تضمنت الخطة تقسيم الثروة النفطية العراقية بما يرسخ التفتيت العراقي ، لما لأهمية التشابك والترابط الاقتصادي في تمتين عروة المجتمع ككل .
خطة السيناتور الأميركي جاءت على خلفية المخاوف والتوجسات التي أحاطت بالأهداف الحقيقية من وراء غزو الولايات المتحدة للعراق بعد أن أكد هذا القرار أن الغزو لم يكن بهدف التخلص من أسلحة الدمار الشامل المزعومة أو إقامة نظام حكم «ديمقراطي»، وإنما جاء يستهدف وحدة العراق ووجوده كدولة ذات كيان موحد وشعب واحد، ويسعى إلى تقسيمه إلى كيانات متنافرة ومتناحرة، وهو الأمر الذي يترتب عليه العديد من التداعيات والآثار العكسية على هذا البلد وعلى البيئة الإقليمية المحيطة به.
وقبل خطة جو بايدن اقترح تقرير لجنة «بيكر - هاميلتون» تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم في إطار نوع من الفيدرالية، باعتبارها لا تظهر معالم التقسيم الفعلي، ولكن الفرقاء العراقيين أنفسهم انقسموا حول مبدأ الفيدرالية وشكلها، وكانت هناك خلافات شديدة حول قانون الأقاليم الذي تم إقراره في 11-10-2006 .
دور الكيان الصهيوني
عام 1957 نشر كتاب بعنوان «خنجر إسرائيل» لمؤلفه الهندى «ر. ك. كرانيجيا»، ويقال إن الرئيس جمال عبد الناصر وراء فكرة الكتاب، عندما زوّد المؤلف بوثائق مسربة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتضمن الكتاب مخططاً صهيونيا لتقسيم العراق على أن يبدأ التقسيم بتشكيل دولة (كردية) وفصلها ثم اقتطاع دويلة في الجنوب.
وفى عام 1973 قدم مهندس السياسة الأميركية «هنري كيسنجر» مشروعاً تجدد الحديث عنه عام 1983 يتضمن تقسيم جميع دول المنطقة العربية على أسس طائفية، كما كانت مجلة «كيفونيم» الإسرائيلية قد نشرت فى14شباط1982خطط إسرائيل لتقسيم العراق وسورية، واعتبرت المجلة أن العراق أشد خطرا على إسرائيل من بقية الدول وأكدت أن أفضل طريقة لتمزيقه هو إثارة الصراع الدموي بين مكوناته ، وهو ما كان يؤكده مناحيم بيغن رئيس وزراء الاحتلال الأسبق الذي قال في صحيفة يديعوت احرنوت الصهيونية بتاريخ 11/12/1980 أن ( .. العراق هو العدو الأكبر لإسرائيل لذا يجب تقسيمه إلى ثلاث دول) .
وتضمنت الخطة «الإسرائيلية» المنشورة - بنود متعددة أهمها:
أولاً : العراق لا يختلف عن جيرانه من الدول العربية، ففيه تعددية عرقية ودينية يمكن اللعب على وتر التفرقة بينها.
ثانيا العراق دولة غنية بالنفط وهو، مرشح مضمون لتحقيق أهداف «إسرائيل» ويعتبر تقسيمه أكثر أهمية من تقسيم سورية، وعلى المدى القريب، فإن قوة العراق هي التي ستشكل خطرا على «إسرائيل»، و كل نوع من القلاقل الداخلية سيساعد «إسرائيل» مباشرة وستقصر الطريق نحو الهدف الأهم: (تقسيم العراق إلى طوائف) .
ثالثا : تقسيم العراق على أساس طائفي كما كانت بلاد الشام في العهد العثماني أمر واقعي وممكن، وعليه فإن ثلاث «أو أكثر» من الدويلات الطائفية يمكن أن تقوم في العراق حول المدن الرئيسية الثلاثة (البصرة، بغداد، الموصل) وإشعال حرب أهلية كفيل بأن يبلور هذا الواقع ويجعله ممكناً.
في تعليق لـ (إسرائيل شاهاك) مترجم هذه «الخطة من العبرية» يقول: «إن مشروع تقسيم العراق مشروع صهيوني قديم، وإن فكرة تقسيم الدول العربية إلى وحدات صغيرة فكرة ثابتة في الاستراتيجية الإسرائيلية». كذلك فإن المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس - الإسرائيلية» - زييف شيف - وهو أخصائي في هذا المجال أكد مرةً (أن تقسيم العراق إلى دويلات هو أفضل ما يمكن أن يحدث للعراق ليخدم مصالح إسرائيل).
هذه الخطط «الإسرائيلية» ليست سراً وكانت محاور أساسية في المؤتمرات الإسرائيلية، حيـث عقدت من حينها المنظمة الصهيونية العالمية بالتعاون مع منظمة «إيباك» الخاصة باليهود الأمريكيين مؤتمراً لتفعيل العمل من أجل تقسيم الدول العربية على مرحلتين زمنيتين تنتهي الأولى عام 2020، والثانية عام 2030، ابتداءً من الصومال وانتهاءً بمصر والسعودية.
داعش في تقسيم العراق
تقوم خطة «إسرائيل» في تقسيم العراق والوطن العربي على فرضيات عديدة أحدثها داعش ، حيث إن الولايات المتحدة وبعد انسحاب قواتها من العراق تعرضت إلى انتقادات شديدة من جانب إسرائيل واللوبي اليهودي، لخشيتها من استعادة العراق لدوره، وإعادة بناء جيشه، فكان الدافع باتجاه تقسيم العراق، دون التورط بتدخل عسكري مباشر على الأرض، واختيرت «داعش» للقيام بهذا الدور بتمويل غربي حتى تطمئن(إسرائيل) وتزيل عن كاهلها الخوف من الجيش العراقي .
التلويح بورقة التقسيم
تشير التقارير الإعلامية في الصحف الأميركية إلى أن طرح فكرة التقسيم سيكون بمثابة ورقة ضغط من جانب واشنطن على بعض الدول المناوئة لها في المنطقة، ورسالة بإمكانية تعرضها للمصير نفسه .
ويعتبر مشروع بايدن في المنطقة من المخططات الأولية «للشرق الأوسط الكبير» وقد يكون نواة هذا المشروع تجاه المنطقة العربية كلها ، خاصة أن العراق ليس فقط المستودع الأكبر لتاريخ الشعوب العربية وضميرها الجمعي ، بل هو أيضاً صورتها المطابقة .