فمن يحمل على الشدائد ويتحمل الأزمات، ومن يصمد ويتصدى، ومن يدفع ويدافع، ومن يثبت ويرابط غير أبناء الوطن المستهدف بذاته وبأهله، بموقعه وإسهاماته، بحضارته ووجوده؟!.
الهجمة الشرسة التي يتعرض لها وطننا السوري ليست مجرد حرب عابرة، وليست كأي مواجهة تقليدية، فهي أكبر من مؤامرة وعدوان، وهي أعظم من استهداف شعب وحضارة، بل تكاد تكون الأبشع والأقذر والأكثر شراسة لأنها جمعت كل أوجه السوء، وجميع محاور الشرور في العالم الصهيونية والوهابية اللتين لا أصل لهما في التاريخ سوى ذلك الذي صنّعه الغرب ورعاه وجدد فيه حتى خُيّل للبعض أنه صار أمراً واقعاً لا مفر منه.
إذا كانت الهجمة بهذا الحجم - وهي كذلك - فما السبيل لصدها والتصدي لها انتصاراً للوطن والأهل والأرض والتاريخ والحضارة؟ التقاعس والتردد والتخلي والإحجام والتخاذل والجبن والانهزام، أم الثبات والتمسك والتعاون والتعاضد والتكاتف والإقدام والصمود والتصدي؟.
لا ننكر حقيقة أن الناس معادن وألوان، ونقر بتقلّب القلوب وضعف النفس والإرادة والإيمان بين أبناء الوطن الواحد، بل بين أبناء البيت الواحد، وربما بين أبناء البطن الواحد، غير أن التقلّب والضعف استثناء، والثبات والقوة أصل، والسوريون في الأمة أصل، وبين العرب محك وقاعدة، وللمشككين المرتابين نقول: هذا هو التاريخ، سجلوا عودة له، واتعظوا لو شئتم!!.
ليس بين السوريين، وليس منهم من لا يعرف معاني الثبات على الوطن وفيه، وإذا كانت فئة جاهلة فاسدة ضالة وعديمة وفاء قد سلكت طريق الأعداء والتحقت بمحاور الشر، فإن الأغلبية العظمى منهم ما زالت تتمثل معاني الثبات، وتلتزم الواجب الوطني والأخلاقي والشرعي في الدفاع عن الوطن والأرض والحضارة، وللمشككين أيضاً نقول: هذه هي سجلات جيشنا العربي السوري الباسل والمقاوم، وهذه قوافل الشهداء من أبنائه تفقأ أعين الجاحدين بوطنهم، والمتآمرين عليه من الأعراب والأغراب.
الثبات على الوطن وفيه، والالتزام الصادق بقضاياه في مجابهة العدو على تعدد أنماطه وأشكاله، هو ما يفعله السوريون شعباً وجيشاً وقيادة، وهو ما يعبرون عنه اليوم بتمثل الشعارات الوطنية والقيم الأخلاقية فعلاً حقيقياً يرتسم على الأرض ترجمة لها، التصاق بالأهل والوطن، لا انسلاخ عنهم وعنه، رسوخ في الإيمان بالوطن، لا استغراق بما يطرحه الأعداء تحت عناوين مخادعة.
المسلمات الوطنية إبداع سوري خالص، والسوريون اليوم يدركون وأكثر من أي وقت مضى حقيقة أنه بمقدار ما يتمثلون الوطن ويثبتون فيه وعليه في مواجهة الجاحدين والإرهابيين والتكفيريين ومجاميع الأعداء في الشرق والغرب، بمقدار ما يتمكنون من صونه وحمايته من السقوط في الضعف، كما يدرك السوريون أنه بمقدار ما يثبتون على الوطن وفيه، بمقدار ما ينجحون بحفظ وحدته وإحباط مخططات تقسيمه وشرذمته.
ويدرك السوريون أيضاً وأيضاً أنه إذا كان التخاذل والإحجام والانهزام يقع في الضد للثبات والإقدام والصمود، فإن العار سيكون لصيقاً أبداً بالمتخاذلين المنهزمين المحجمين عن أداء الواجب تجاه الوطن والأهل والأرض، فيما يبقى شرف التضحية ووسام الشهادة والكرامة كل الكرامة للصامدين الثابتين من أهل الإقدام انتصاراً للوطن وإحقاقاً لحقوقه وحقوق أبنائه، وإن خيارات السوريين باتت محسومة، وها هي أوسمة الشهادة ترتفع في أربع جهات الوطن، تعتز بها الأمهات والأخوات قبل الآباء والأبناء.