في خطابه عن حالة الاتحاد، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما: «ليس هناك أدنى شك أن أميركا عازمة على منع ايران من الحصول على السلاح النووي، وأضع كل الخيارات على الطاولة لبلوغ هذا الهدف».
واقع الأمر، هذا يعني أن واشنطن مستعدة للدخول في حرب -وقد بدأت بالحرب الاقتصادية- ضد بلاد موقعة على معاهدة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل والتي لاتسعى البتة للحصول على سلاح نووي، على حد قول الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتقرير الأخير لوكالة الاستخبارات الأميركية.
وقد صرح أوباما أيضاً أن :«النظام في طهران أصبح معزولاً أكثر من أي وقت مضى: وأن قادة هذا النظام يواجهون عقوبات مشلة، وماداموا لايتهربون من مسؤولياتهم، فإن الضغط سوف يتصاعد».
فهل ايران «معزولة» حقاً؟! لا، إنها ليست كذلك، وليست الإدارة الإيرانية التي تتعرض للعقوبات المشلة، بل الأغلبية الساحقة من الايرانيين، أي 78 مليوناً من سيدفعون الثمن.
في حديثه السابق، «رحب» أوباما بقرار الاتحاد الأوروبي القاضي فرض حظر على النفط الإيراني، مضيفاً «هذه العقوبات تؤكد من جديد على اتحاد المجتمع الدولي».
وعليه، فلنتحدث عن «اتحاد المجتمع الدولي» المنضوية فيه الولايات المتحدة الأميركية وبلدان حلف شمال الأطلسي إسرائيل ومجلس التعاون الخليجي والذي يطلق عليه حالياً (نادي الخليج المناهض للثورات) : مقابل باقي العالم ما هو إلا محض سراب خادع.
الانخراط في برنامج النفط مقابل الذهب
عضوان من منظمة (البريكس) هما الهند والصين، تشتريان تقريباً 40٪ من النفط الإيراني أي حوالي 1 مليون برميل يومياً، وهذا يشكل 12 بالمئة من احتياجات الهند النفطية. أما فيما يخص الصين، فقد اشترت من ايران في عام 2011 نفطاً بنسبة 30 بالمئة أكثر من عام 2010، أي حوالي 557000 برميل يومياً.
و«المجتمع الدولي» الحقيقي، أصبح يعي جيداً أن الهند سوف تبدأ بشراء النفط الايراني بالذهب وليس بالروبيات فحسب- بواسطة مصرفها الحكومي والمصرف الحكومي التركي (بانكاسي). والصين التي تتبادل مع ايران باليوان يمكنها أن تتحول إلى الذهب. ولاحاجة بنا للقول أن دلهي وبكين هما أكبر منتجين للذهب ويملكان أكبر مخزون من الذهب.
كلنا يتذكر برنامج الأمم المتحدة المحزن «البترول مقابل الغذاء» الذي أدى إلى موت العراقيين جوعاً في غضون السنوات التي سبقت الاجتياح والاحتلال من قبل الولايات المتحدة عام 2003. وقد دفع العراقيون ثمناً باهظاً للعقوبات التي أقرتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة. وأن برنامج النفط مقابل الغذاء لم يحمل الفائدة سوى لنظام صدام حسين.
وحالياً، الأمر له علاقة بمسألة أشد خطورة وهو: النفط مقابل الذهب، مبادرة منظمة (البريكس) التي تحمل في طياتها كبير فائدة لقادة الجمهورية الإسلامية، وعلى الأرجح سوف تخفف من وطأة العقوبات على الشعب الإيراني، أما النتائج الدولية: ارتفاع سريع في أسعار الذهب، وسقوط البترودولار، وتجار النفط سيجدون أنفسهم في حالة من التخبط والفوضى.
عضو آخر من (البريكس) وهو روسيا، يتبادل تجارياً مع ايران بالريال والروبل. وتركيا التي تطمح لتصبح عضواً في (البريكس) -وهي عضو أيضاً في الحلف الأطلسي- لن تسير على خطا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تطبيق العقوبات إلا إذا كان مفروضاً من قبل مجلس الأمن الدولي (وهذا الأخير لن يجازف في اتخاذ مثل هكذا قرار، لأن روسيا والصين العضوين الدائمين في المجلس سوف تعارضانه بقرار الفيتو).
وطالما أن طهران لن ترضخ أبداً للعقوبات الغربية- على الأقل تولي أهمية للآليات المتعددة جانبية كانت أم خفية والتي تمكنها من بيع نفطها بإشراك ثلاثة من أعضاء (البريكس)، وأكبر حلفاء أميركا هما: اليابان وكوريا الجنوبية اللتان حصلتا في نهاية المطاف على إعفاء من الإدارة الأميركية.
وبما أن الحديث يتركز دائماً على الحديث عن سلاح نووي لاتمتلكه ايران، فإن القيادة في طهران تعتمد بارامتر فائق الاستراتيجية: بعدم الرضوخ أمام الاستفزازات أو العمليات الخفية التي تغذي الأسباب المؤدية لاندلاع حرب يخوضها محور الولايات المتحدة /بريطانيا- اسرائيل/.
وأمام كل هذه الاستعدادات التي تلوح في الأفق، يظهر مايمكن أن يطلق عليه «المنطقة الآسيوية لإقصاء الدولار»، وهو مايرى فيه الكثير من العقول المتفتحة في العالم المتقدم، بمثابة فتح الطريق أمام عملة نقدية تعتمد على الطاقة والتي ستستخدمها مجموعة (البريكس) ومجموعة الـ 77 (الدول 77) لمواجهة الغرب الأطلسي المتأهب أكثر لكل الاحتمالات- وتدريجياً لحالة التكافؤ مع الآخرين.
وبالعودة إلى مسرح البهلوانيات الأوروبية. يكفي النظر إلى التصريح المشترك الذي أطلقه الثلاثي الفظيع: رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل، والنابليونية الجديدة المتمثلة بـ «محرر ليبيا» الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي. قال هذا الثلاثي :«ليس لدينا شيء ضد الشعب الإيراني». وكان العراقيون قد سمعوا مثل هذا الكلام من الطرف الآخر للوضاعة عام 2002 -2003 لكن ماحصل أن البلاد تعرضت للاجتياح والاحتلال ومن ثم الخراب والتدمير.
بقلم: بيبي اسكوبار