تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


التلاعب في مجلس الأمن «العراق أنموذجاً»!

عن موقع : Investigation
ترجمة
الأربعاء 8-2-2012
ترجمة: دلال ابراهيم

توصف عادة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بأنها تعبير عن ( رغبة المجتمع الدولي ) , كما ويمنحها دعمها لبرنامج وطني سلطة أخلاقية .

ولهذا السبب من المهم أن نفهم الآلية التي يتم فيها الإساءة إلى استخدام استقلالية هذا المجلس الأممي وأساليب الترهيب والإكراه والفساد المستخدمة من أجل ابتزاز موافقة أعضاء متحفظين في المجلس , أو موافقة أعضاء معارضين بشدة إلى عمل ما .‏

قبل 22 عاماً من الآن وفي أعقاب تبني مجلس الأمن الدولي القرار رقم 678 الذي أجاز استخدام الوسائل الضرورية كافة لمواجهة الغزو العراقي للكويت , ووافق على شن حرب الخليج الأولى , أعلن النائب العام السابق للولايات المتحدة رامزي كلارك , الذي كان شاهداً على الآثار الكارثية لقصف العراق قائلاً « إن الأمم المتحدة التي أنشئت بغية تفادي ويلات الحرب أصبحت أداة لتلك الحرب .»‏

وكان الخوف منذ انهيار الاتحاد السوفييتي أن يتحول هذا المجلس إلى أداة لضربات سياسية تستخدم من أجل ( شرعنة ) مغامرات الامبريالية الجديدة وإعادة تأكيد الهيمنة الغربية على مستعمراتها القديمة في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط . ومنذ عام 1991 يوصف مجلس الأمن غالباً بأنه « الذراع الضارب للبنتاغون « أو « التابع لوزارة الخارجية الأميركية «. وفي عام 1990 عارضت فقط دولتان عضوان في مجلس الأمن تمرير القرار رقم 678 , وعندما صوتت اليمن بالرفض هددها السفير الأميركي بجرأة ( سيكون هذا التصويت هو الأغلى ثمناً عليكم ) حيث قطعت الولايات المتحدة على الفور مساعداتها لليمن البالغة 70 مليون دولار .‏

وكان أبو الحسن وزير الخارجية الماليزي حينذاك قد أكد أمام مجلس الأمن قبيل بضعة أشهر من التصويت على هذا القرار قائلاً « لا يسعنا سوى أن نشعر بالقلق حيال هذا السباق المحموم في استبدال قرار بقرار آخر خلال سبعة أسابيع , ونتساءل إن كان هذا القرار قد أخذ وقته ليكون فعالا؟ً... أنذهب بسرعة لجعل العقوبات فعالة أو نعد أنفسنا لوضع نقرر فيه أن تلك العقوبات ليست فعالة وأنه يتوجب اتخاذ إجراءات أخرى؟ ولن توافق ماليزيا على هذا الحل الأخير , ولا نوافق سوى على تفادي الحرب ...وتعتقد ماليزيا أنها تتقاسم مشاعر عدم الارتياح مع العديد من الدول خارج المجلس وعلى المجلس السعي لطريق آخر يسلكه . ومن حيث المبدأ تعارض ماليزيا المشاركة في القوات المسلحة لقوى عظمى في المنطقة ...وبصفتها دولة غير منحازة وتنتمي إلى منطقة كانت ضحية لمعارك وحروب شنتها جيوش القوى العظمى , وبالتالي فإننا نخشى من التواجد الطويل الأمد لجيوش القوى العظمى .»‏

وفي الخامس والعشرين من أيلول عام 1990 أكد وزير الخارجية الكولومبي قائلاً :‏

« نرغب قبل كل شيء الدعوة إلى السلام والتبصر ...ونحن متأكدون أن أي مواجهة عسكرية ستكون كارثة سوف نندم عليها طوال العمر .» وفي اليوم التالي صرح سفير كولومبيا في الأمم المتحدة :» كنا نأمل أن يتم تقديم مشروع قرار بهذا المضمون إلى مجلس الأمن ونوافق عليه . ولكن في اليوم التالي تقدمنا بمشروع قرار إلى جانب كوبا وماليزيا واليمن , وأخذنا بعين الاعتبارالملاحظات التي تقدم بها وزير خارجية بلادي في الأمس . ولكن الحقيقة أنه ومنذ اليوم التالي مورست شتى أنواع الضغوط علينا لحملنا على نسيان نص وثيقتنا ... علاوة على ذلك , ألمحوا لنا أن مشروعنا لم ينل موافقة الأمين العام ... وهذا لم يكن حقيقياً ... ففي الأسابيع الأخيرة, وبهدف التوصل إلى النص النهائي لما غدا القرار رقم 674 جرت مشاورات مكثفة صدمتنا وأحبطتنا بالطريقة التي يعمل بموجبها مجلس الأمن. ووفد بلادي لم يصدر حكمه على هذه الإجراءات . طلبنا من العالم أجمع هنا أن يحذوا هذا الحذو من كل قلبهم لكي يحفظوا للأجيال المقبلة منظمة أمم متحدة وعالم يعتمدون عليه .»‏

وعلى الرغم من معارضة كولومبيا وماليزيا لأي عمل عسكري في الأشهر الأخيرة التي سبقت تاريخ 16 كانون الثاني 1991 , عزم وزير الخارجية الأميركية آنذاك جيمس بيكر على إرغام هاتين الدولتين العضوتين غير الدائمتين في مجلس الأمن على دعم مشروع الحرب , بالرغم من وجهة نظرهما . زار بيكر بشكل معلن الرئيس الكولومبي وقال له إن « سفيره في مجلس الأمن أصبح مجنوناً بمبادرته للسلام وعليه أن يتوقف عن ذلك .» وترافق ذلك مع تهديد بوقف المساعدات . وكذلك لحق بوزير خارجية ماليزيا إلى فندقه في طوكيو وأجبره على تغيير موقفه لصالح عمل عسكري ضد العراق . ومرة أخرى استخدمت نفس الآلية وبنجاح أيضاً .‏

وفي الأسابيع اللاحقة التي سبقت تاريخ 15 كانون الثاني 1991, قام الرئيس الجزائري بجولة له في الشرق الأوسط وتباحث مع رؤساء سورية ومصر والأردن وعُمان والعراق وإيران . وتباحث لمرتين مع مستشار الملك السعودي فهد . وأكدت مصادر رفيعة المستوى في منظمة الأمم المتحدة أن المعاهدات التي وقع عليها الرئيس الجزائري مع قادة الدول التي زارها كان من شأنها أن تفضي إلى قرار سلمي للصراع وفقاً لمطالب الأمم المتحدة . وكان من المقرر انعقاد الاجتماع الأخير مع الملك فهد في المملكة السعودية , وفي اللحظة الأخيرة رفض الملك السعودي لقاء الرئيس الجزائري , ورفض منحه تأشيرة دخول للمملكة بحجة ( أنه يحتاج لمزيد من الوقت) ووفقاً لمصدر دبلوماسي رفيع المستوى أن واشنطن لم تكن تريد هذا الاجتماع . وفي 17 كانون الثاني أعلن الرئيس بوش أن هدفه هو تحرير الكويت وليس غزو العراق, وقال أيضاً « نحن مصممون على ضرب إمكانيات العراق النووية , وسنقوم أيضاً بتدمير الأسلحة الكيميائية في المنشآت « .وفي هذا انتهاك أميركي لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة ( رقم A/c.1/45/L.38 )‏

الذي يحظر ضرب المنشآت النووية . وباءت جميع المحاولات لتطبيق هذا القرار بالفشل أمام التهديدات الأميركية والسلطات المصرية لكي يتم التخلي عنها .‏

وتنص المادة 22 من معاهدة لاهاي بصراحة بعدم مشروعية اللجوء إلى استخدام ( كافة الوسائل الضرورية ) . والقرار رقم 678 ينتهك أيضاً المواد 25 و27 من معاهدة لاهاي . وكذلك ينتهك المواد 1 ,2a , 2b والمادة الثالثة c من معاهدة حظر المجازر . وقد أشار مفتش الأمم المتحدة مارتي اهتيساري أن قصف قوات التحالف قد تسببت بأضرار كارثية على العراق ودمرت البنى التحتية الاقتصادية الضرورية للحياة البشرية في العراق وحذر من أن الشعب العراقي سيواجه كارثة جديدة وشيكة والتي يمكن أن تشمل الأوبئة والمجاعة في حال لم يتم تقديم مساعدات لتلبية الاحتياجات الأساسية .‏

وجاء في تقرير البعثة الإنسانية للأمم المتحدة للعراق بقيادة صدر الدين آغا خان أنه « في أعقاب حرب الخليج عام 1991برز مشهد مقنع للأسرة الدولية عن حجم المعاناة والخراب . وتفاقمت النتائج المأساوية للحرب , والخسائر التي لا تحصى في أعداد القتلى والدمار مع الهجرات الجماعية للسكان والكوارث البيئية على نطاق واسع والتي لا سابق لها وكذلك انهيار البنى الحيوية للمجتمعات الإنسانية الحالية ..ومن الواضح أنه وبالنسبة للكثير من العراقيين فإن كل شهر يمر يقربهم أكثر من حافة الكارثة . وكالعادة فإن الفقراء والأطفال والأرامل والمسنين هم الأكثر عرضة والأكثر معاناة .»‏

وجاء فشل إدارة الرئيس بوش في الحصول على دعم في مجلس الأمن على عملية ( الصدمة والرعب ) في حربها ضد العراق عام 2003 ليقوض بشكل كبير المصداقية والروح المعنوية للعملية ويضعف شعبية بوش , والذي أصبح مادة للسخرية عبر مقولته المشهورة ( المهمة أنجزت ) . وكانت تلك جزءاً من النتيجة المنظورة والكارثية لهذه الحرب , وصار استعراض الأكاذيب من أجل تبرير الحرب عاملاً رئيسياً في الحملات الانتخابية الرئاسية الناجحة لباراك اوباما .‏

 بقلم كلارا ستيا - صحيفة معتمدة في مجلس الأمن‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية