تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الشاعر يوسف القدرة..نبض حنين ودفء عبر الحصار

ثقافة
الأربعاء 8-2-2012
حنان علي

خلف أسوارِ الحصار، بجوار بحر مخنوقٍ، وبمدادٍ صارخٍ، يخطُّ الشاعر الفلسطيني يوسف القدرة غربةَ الرُّوح والجسد.. فيطلُّ ليكنِّسُ الأوجاعَ بالأغاني والنار، يرسمُ بالحرائق قلاعاً حولَ قلبه، يدلِّكُ روحه بزيتِ المغفرة.. وبالوترِ المُتنبّه للنبضِ تماماً، ينقّي دمه من الضجيجِ والآلام. فيحفرُ في الماءِ درباً سريّاً إلى الله، ويطرِّزُ من الغيوم شراعاً لمركبٍ من دموع اللهفة، ليحرسُ حلماً صغيراً يمضي بهِ إلى آخره.

الشاعر الشاب يوسف القدرة المولود عام 1983 في ربا خان يونس، يسكنُ بيتاً من ندى وأمنيات، يتبعُ ظلالَ الحزنِ ليُفسِّر إيقاع روحه، يطرّزُ اللغةَ ويهديها للعاشقةِ البعيدة، ويحيكُ من نبضه سهراً خفيفاً ليحرسَ ليلَ القصيدةِ من الطمأنينة.‏‏

يعيش في غزة، حيث يتجوّل الناس في أمكنتها بكل تفاصيلها، وفي عيونهم يتحوّل كلَّ شيءٍ إلى تعبٍ وحكاياتٍ مخذولة، سُكارى،وشرابهم عُصارةُ الذّل، مشدودة أعصابهم كأوتارٍ غابت الموسيقا عنها..‏‏

كاتبٌ.. فكّر أنّ الكتابةَ ربّما تكونُ «نجاةً من الاجتياحاتِ المجنونة التي تزلزل عقله وتحدث انفجارات هائلة في قلبه، يرسم بالكلمات وجه حبيبةٍ غائبةٍ حاضرةٍ في تفاصيل يومه، في خدر الصحو، في شكل الصباح، خطواتِه، تنفسِّه، المرآة، دقات قلبه، شهقات سجائره، وفي نكهةِ القهوة!»‏‏

يعزفُ شاعرنا على أوتارٍ أدبيةٍ رائعةٍ، ويسكبُ على صفحاته لغةً غنيةً تعكس موهبةً فريدةً وإحساساً مرهفاً، يلوٍّن يوسف القدرة لوحاته بأطيافِ الشرفات ويسكبُ عليها أمواجَ الأفق، تسكنُ أشجارُ البرتقالِ حدائقهُ الشعرية، وترفرفُ فراشات فوق كلماته ناثرة فيها عبقاً من الحنان. هناك من غزة ينسابُ حلمُهُ الجميل وتسافرُ موسيقاه في فضاءِ الأدبِ متمازجةً مع ألوانِ الذكريات.‏‏

في تجربة الشاعر يوسف القدرة، كان الوطن المفقود حاضراً، الحبيبة البعيدة قريبة، ودروب الأسئلة ينبوعاً من حروفٍ ومعانٍ وأحلام.‏‏

و بمخيلةٍ إبداعيةٍ، تعاودُ الانغماس بالحلم مراتٍ عديدةٍ لملاقاة الحبيبةِ المستحيلةِ، يستخدمُ الشاعر أسلوباً أدبياً ساحراً، يُسافر به حيثُ اللقاء المُشتهى.. ثم يختطف من وعاءِ الذاكرةِ صمتَ الوجع ومناجاة الحنين، ليرسمها بلغةٍ شعريةٍ وتناغمٍ وجدانيٍ فريد.‏‏

وفي محاكاةٍ للغيابِ والشوق.. تلوحُ غيومُ الأملِ في الآفاق، وصهيل الحب يهاجرُ عبر المسافات..فتسَير تلك المرأة الزرقاء «على خيوطِ عنكبوتٍ واثقةً من نهرٍ تنامُ صورتُها فيه كملاكٍ تائهٍ، النهرُ يُشعلُ ابتسامةً على شفتيها، يُدرّبُ روحَها على الاحتفاظِ بزرقتها،التي من رغبةٍ وتعالٍ، فيما شجرةُ الصنوبرِ ظلّاً، يحملُ معنىً آخرَ لحلمِها الذي من حنينٍ وبكاءْ».‏‏

لا يمكن للشاعر أن يخفي تلك الرُّوح المغرّبة، فيتقمصُ روحَ الجرحِ الفلسطيني النازفِ بحروفٍ قرمزيةٍ وأسلوبٍ بارع ٍ، مرتجلاً صهوة الأسطورة.. «أخلعُ القمرَ من مكانِهِ وأعلّقُهُ في إطار خشبيّ على حائطٍ لقلبٍ مهجور، وأقفز على قدم واحدة حين أتذكر أن الأخرى أهديتها للحرب في آخر منام وأصرخُ من ألم لا أريد البوح به «.. «أُشعل اللغةَ وأدخّنها جيداً، أسمِّي الريحَ بأسماء الغواية وأُنطقُ الشجرَ رهفةً على وترْ، وأسقي المدى رقص الصبايا، وأسرقُ من فمِ الغيمِ قُبل المطر».‏‏

ومن ثم ينفض الشاعر غبارَ أزمنةٍ ساكنةً دمه، فيسحبُ صلاة قديمة من دفتره «ويوضّئها بدموعٍ شاردة، وهو الذي أفرد سجّادةً لعُزلةٍ تأتي منْ سرٍّ تُضاءُ له أقمارٌ نائمةٌ في رواياتٍ تنامُ على رفٍّ في حلمِ يمامةٍ، تطيرُ في منامٍ لرجلٍ، يُطلقُ لحيتَهُ قناعاً في وجوهِ مَنْ أجّروا أرواحَهم للثبات.. لشامةٍ نابتة في عنقِ الشبقِ. ويؤلِّف العتم أغنياتٍ تخزُ جِلدَ أنفاسٍ لا تنتهي، وينهبُ لذّةً يفيضُ بها أفقُ وقتٍ لايرحمُ، ويرجمُ نيراناً أخمدها دفقٌ مشتهى «..‏‏

لا ينفكّ الشاعر يناجي تلك الحبيبة، في بلدهما المسجون، حيث يغيب شُبَّاكها في الأفق البعيد.. «أيتها المعجونة بالجنون، يأسرُني شبقكِ وجنوحكِ وطيراناتكِ وحيلكِ ومشاكساتكِ وعنادكِ، وتُسكرني كلماتكِ التي أعلم أنها برسم التنفيذ لا محالة: هل حقاً سنلتقي ذات يوم تحت المطر على رصيف الكون؟».‏‏

يطوِّع الشاعرُ الشاب اللغة العربيَّة بقواعدها الكتابيَّة بإبداعٍ متناهٍ، وأسلوبٍ سهلٍ ممتنع مقدماً للمكتبةِ العربيَّة والأجنبيَّة إصداراتٍ تفتح له دروباً نحو التألق،و تصعد به سلالم إلى قلوب القرّاء.‏‏

إنّ أعمال الشاعر الفلسطيني الموزعة بين شعرٍ وقطع ٍأدبية، تتميز بشفافية مدهشة يملؤها الحنين والحزن، الجمال والأمل والحب الصافي.‏‏

«أسمعُ تكتكة الأصداف حول عنق النسمة الخجلى التي تنفست فكرتي في أن أُقبل رموشك الزرقاء..‏‏

غبش أصابني‏‏

بل أصاب البرد الذي تسلل إلى كوني دون لون وسكوت..‏‏

لاحقاً: الشوارع أمواج طافية على خدٍّ تفاحيّ السمات‏‏

تعرفين كم حقيبة تحملني عارياً مني؟‏‏

الكلُّ إلاكِ..»‏‏

و لا يزال هناك في غياهبِ هذا البلدِ المجروحِ والروح المتقدة، انتظارٌ لميلادِ إبداعات ٍجديدةٍ، تعبُرُ بالحبِّ وبالحنين، وتخترقُ الحصارَ والحُزنَ إلى عتباتِ الزمنِ الجميل..‏‏

أَنَا الّذي «كُنَّا».. وأنَا الّذي‏‏

أنَّ وجَنَّ وحَنَّ وغَنَّى‏‏

لَمْ يَكُنْ في المِرآةِ امْرأةٌ.. ولمْ آمُر‏‏

رُفَات الفِكْرةِ أنْ تَحْيا.. حِكْتُ الْحَرْفَ‏‏

في الظِّلِّ.. وفيهِ بكي الذي فيَّ‏‏

جَبَلْتُ الضوءَ بالْحُزنِ في فنْجانٍ من الصحوِ‏‏

ورَبَّيْتُ في الدَّهشةِ أشجاراً من السَّهوِ.. وكنت‏‏

في عروقِ اللّهْفَةِ نَسياً،‏‏

بلا أثرٍ، مَنْسِيّا.....‏‏

‏‏

اصدرات‏‏

- أنا والذكرى منسية - غزة 2001.‏‏

- براءة العتمة - 2004.‏‏

- لعلّكِ - 2007 ترجمت إلى اللغة الفرنسية في الجزائر.‏‏

- أغنية مبحوحة- القاهرة 2010.‏‏

- دموعها تبكي الخراب - الناصرة 2011.‏‏

- وتُرجمت بعض نصوص الشاعر إلى اللغة الإنكليزية، ونُشرت في مجلات عدة في الولايات المتحدة الأمريكية.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية