كان ذلك أمام إصرار الأيادي البيضاء على محو آثار خرابهم و تطهير مواطئ دنسهم ، و كأي أسرة واحدة تداعى أبناء سورية الأم لمسح الدموع وبلسمة الجراح و إعادة بناء ما تهدم ، و لم يكن أي منهم بحاجة لبطاقة دعوة ليكون ضمن الفرق التطوعية ، كما لم ينتظر أحدهم كلمة شكر أو تكريماً و وساماً لقاء جهده .
بعضهم من المقتدرين تبرع بشيء من ماله دون منّة ، و آخرون ممن لا يملك سوى ساعديه و خبرته كان عطاؤه بالوقت و الجهد سخيّاً خيّراً بلا حدود ، و كان أقصى أمانيهم سكينة قلوب صغيرة و بسمة فرح ترتسم على شفاه أطفال أيتام طالهم الإرهاب في عقر دار أمانهم ، شبان .. فتيات .. أمهات و أطفال ، دفعهم للتطوع حب وطني مترسخ عميقاً في قلوبهم ، و جمعهم إيمان متجذر في قناعاتهم بأنه لا يبني الوطن إلا أبناؤه ، و لا يهدمه إلا أعداؤه ، لذلك لم يبخل أحدهم بشيء ، كما لم يترفعوا عن القيام بأي عمل متواضع من تنظيف و ترتيب و طلاء و نجارة و حدادة ، رغم أنها ليست من اختصاصاتهم الجامعية ، فهنا رسموا و هناك لونوا بزركشات الفرح لوحات طفولية ، و خاضوا سباقاً مع الزمن ليعود أطفال الدار إلى دفء بيتهم و مقاعد دراستهم و ملاعب براءتهم ، فغنوا و رقصوا معهم فرحاً بالعودة .
لم يكن التطوع وليد الأزمة أو نتاجها ، بل كان حاضراً في كل مكان و ساحة من ساحات الوطن ، كما لم يكن مجرد شعارات رنانة أو موضة عصرية للبروزة و المزايدة ، و لكنه برز كترجمة حقيقية للنيات الحسنة و المخلصة ، و اقتران للأقوال بالأفعال على أرض الواقع ، فقدم متطوعو نسور سورية و قلعة الأحرار و الحرائر و دار الفنون جهوداً مشكورة ، برهنوا للعالم أنه لا أيتاماً في وطننا ، فنحن جميعاً ..أخوتهم .. آباؤهم .. أمهاتهم...