هكذا قال المخرج الروسي الفريد أندريه تاركوفسكي عن المخرج الياباني كينجي ميزوغوشي ستة وثمانين فيلماً بين عامي (1922و 1956) كان من بينها الروائع الفنية التي تعتبر من أكثر التعابير الواضحة بشكل كبير عن التقاليد الجمالية الآسيوية: حياة أوهارو (1952) والحاكم سانشو عام 1954.
كما كان هناك الكثير من الأعمال المميزة التي تتعامل مع تجربة الناس المؤلمة التي ترافقت مع عملية الحداثة في المجتمع الياباني.
هذا الكتاب هو بحث في أفلام ميزوغوشي لكن كان اهتمامي الكبير بتقييم موقع عمله ضمن التاريخ الثقافي والاجتماعي في اليابان.
في الواقع لم تكن هناك ثقافة يابانية نقية ومتفردة وذلك بسبب وجود السلطة الاقطاعية حتى منتصف القرن التاسع عشر حيث كانت الثقافة اليابانية وأحاسيسها الجمالية والأخلاقية مختلفة جداً عما هي عليه اليوم، ولكن مع حلول هذا الوقت كان النظام الطبقي قد ألغي.
وبدأ عهد الحداثة والغربنة كانت العمليتان متلاحمتين حينها وبقيتا منصهرتين حتى اليوم وعندما تبحث عن التعبير الفني الدقيق نجد التأثير على ثقافة الطبقة الأولى معكوساً على الفنان بشكل واضح جداً.
عبر المخرج كوروساوا الذي انحدر من عائلة ساموراي عن التقاليد الأخلاقية والجمالية للساموراي بمهارة بالغة.
والمخرج أوزويا سوجيرو الذي كان ينتمي إلى عائلة تجارية ثرية وهو نفسه لم يكن غنياً تحديداً.
صنع أفلاماً من أكثر الأفلام تعبيراً عن ثقافة البرجوازيين المختلفة خلال حداثة اليابان وتموضع ذكاء ميزوغوشي في تحويل نمط (كابوكي) وتقليد الرقص الياباني إلى السينما اليابانية.
كلاهما من منتجات ثقافة تجارية ليابان الاقطاعية وأخيراً جاء اسم (إمامورا شوهي) مخرج الأفلام الذي تعلم كثيراً من الطبقة الاجتماعية الأوسع- المزارعين- الذين لابد من ذكرهم.
وهذا هو السبب الذي ربط المخرجين بالتقاليد على طريقتهم الخاصة بهم ولكن كل واحد منهم ناضل بطريقته الخاصة تحت تأثير الغربنة لخلق إحساس حديث بالذات وتحولات الفرد.
روح حقيقية
ولد كينجي ميزوغوشي في 16 أيار عام 1898 في حي هونغو بطوكيو وهو الابن الأكبر لميزوغوشي زنيتارو وماسا.
كان ميزوغوشي زينتارو يقوم بأعمال العائلة وخلال الحرب مع روسيا سنحت له فرصة العمل في صناعة المعاطف المطرية.
لكن لم يدم العمل كثيراً وبنهاية الحرب فقد كل ما عنده وقام بعدها بمغامرتين أو ثلاثة من المغامرات التجارية.
لكن قدر له الفشل فيها فباع بيته بالمزاد العلني لإيفاء الديون المترتبة عليه واضطر الأب إلى الانتقال إلى أساكوسا وهناك وضعت العائلة ابنتها سوزو التي كانت في العاشرة من عمرها في العمل مع ميكاوايا وهي واحدة من بين أشهر ثلاثة دور في اليابان لتدريب الراقصات والمغنيات اليابانيات (الغيشا) في نيهونباشي وتحدث سوزو غيشا متدربة عند أوهاما المرأة التي أدارت ميكاوا وكانت عشيقة كاناغاكي روبون.
هكذا نشأ ميزوغوشي في عائلة فقيرة ولم يستطع أن يدرس أكثر من المرحلة الابتدائية.
كان معجباً بمدرسة أساكاوا تاغاوا الابتدائية.
وهي نوع من مدرسة معبدية أو تيراكويا وفيما بعد انتقل إلى المدرسة الابتدائية وكانت مدرسة حديثة عامة في الجوار.
وفي هذه المدرسة درس مع كاواغوجي ماتسوتارو الذي أصبح فيما بعد روائياً.
الجدير بالذكر أن كاواغوجي لم يذهب في دراسته أبعد من المدرسة الابتدائية.
استوديو الأفلام
يتذكر المصور الشهير (أوهبورا جينغو) أن ميزوغوشي كان شاباً مؤدباً ودؤوباً في عمله حيث عمل في البداية كمساعد لأوغوجي تاواشي وهو أحد مخرجي السينما اليابانية الأوائل.
وقال ميزوغوشي في مقابلة قديمة له إن أوهبورا عمل في السابق في مجموعة شينيبا (مسرح المدرسة الجديدة) لكن تمت معرفة القليل عن حياته هناك.
وانضم إليهم ميزوغوشي في عام 1980 وكان في الاستوديو قسم خاص بالابداع تجتمع فيه القصص والكتب بالإضافة إلى قسم آخر لتدريب الممثلين على فنيات معينة.
وعمل تحت اشراف رئيس القسم وكاتب الميلودراما (سيتوكوروكو).
في تلك الأيام كانوا يقرؤون كثيراً وكانت أكثر الأشياء متروكة للمصور وعلى خلاف ميزوغوشي لم يكن كل من أصبح مخرجاً يتمتع بقدر من الثقافة.
كان واكاياما أوساموا المخرج الذي أخذ ميزوغوشي إلى استوديو نيكاتسو.
كان يكبر ميزغوشي بإثني عشر عاماً تحت عنوان (زمن تهذيب الذات والكفاءة) بسرد المؤلف بدايات ميزوغوشي الفعلية في عالم السينما.
حيث أصبح ميزوغوشي مخرجاً في استوديو نيكاتسو موكوشيما.
دائماً ما كان ميزوغوشي يتحسس من الجديد والعصري وكان يشعر بالخوف من أنه سيتخلف عن الركب إذا لم ينتقل إلى طوكيو.
فقد كان هناك عدد غير محدد من الحرفيين من النمط القديم في كيوتو.
وبيت الطاقم والممثلين شارك العديد مطلب ميزوغوشي في المهارة الكاملة في الحرفة والإخلاص للعمل.
لم يكن من أحد يزعج نفسه بالتفاصيل.
فقد ترك ميزغوشي طاقمه يتعامل مع مجموعة من المشكلات.
وأكثر ما كان يحتاجه هو أن يجد مجموعة من الناس المخلصين والماهرين ممن يفهمون نمط عمله بشكل جيد من حوله وحينها سيعطي لكل منهم مجموعة من المهام لتنفيذها وسيجري التغييرات ويتخذ القرار الأخير.
قال الأصدقاء المقربون من ميزوغوشي إنه كان قارئاً شرهاً وكان يعمل دائماً دونما كلل أو ملل.
بالإضافة إلى أنه كان يتوقع الجهد نفسه من كل من يعمل معه.
فقد كان يرسل بكتب محددة إلى الممثلة التي ستعمل معه كبطلة للفيلم مع قصاصة ورق مكتوب عليها (فقط اقرئي هذه الكتب، فقط اقرئيها).
يجمع متابعي هذا المخرج إلى أن سلوكه كان نموذجياً لرجل بنى نفسه بنفسه وهكذا كان بالفعل نجاح ميزوغوشي مبنياً على الجهد المضني الذي أدى إلى اخراج أهم أفلام السينما اليابانية مثل (امرأة صعبة- نساء الليل- امرأة شغوفة- الحاكم سانشو- الأميرة يانغ كوي رفي- تيراكلان ساغا.. وفيلم شارع العار الذي أطلق في آذار 1956 والذي بعده بشهرين فقط تم منع البغاء بالقانون وأصبح ذلك موضع التنفيذ في السنة التالية.
لكن الموت كان له بالمرصاد وبدأ يحتضر عقب إصابته بداء اللوكيميا أو سرطان الدم.
مات كينجي ميزوغوشي في المشفى البلدي في كيوتو في 24 آب عام 1956 وزوجته جيكو التي أدخلت تأثيراً كبيراً على حياته والتي أدخلته في مشادات ومشاجرات انفجارية كانت تشبه بعض الأحيان العراك اليدوي وماتت بعد ذلك بسنوات عديدة في عام 1975.
تضمن الكتاب أبحاثاً مهمة حول طريقة ميزوغوشي في استخدام الكاميرا جاءت تحت عنوان (جدل الكاميرا والأداء... الأسلوب التصويري- تحريك الرافعة- اللقطة الطويلة- البانوراما والجماليات. دراما الموضع ، الوقوف والجلوس).
الكتاب: كينجي ميزوغوشي وفن السينما اليابانية - تأليف: تيداوسيتو - ترجمة: عبد الله ميز - سلسلة الفن السابع العدد 210 - قطع متوسط في 303 صفحات.