تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حــــــــوارمع المسرحي السوداني عثمان جمال الدين

مســــــرح
الأربعاء 8-2-2012
حوار :أنور محمد

د عثمان جمال الدين مسرحي وأستاذ جامعي سوداني التقيناه في الجزائر وبدأنا حوارنا معه بهذا السؤال الاستفزازي:

- كأنَّ لا مسرح في السودان؟‏

- - عندما تسألني (كأنَّ لا مسرح في السودان؟).. وكأنَّ الشجر لايشي بظله.. وكأنَّ ليس للياسمين رائحة, وكأن الثلوج اختبأت بعد الحضور في أعلي جبل قاسيون, وكأن السودان قاع صفصف في كرة أرضية تجاور درب التبانة. السودان يا أخي أنور مليون ميل مربَّع من الثقافات الإفريقية والعربية والإسلامية التي امتزجت في كيمياء فريدة جعلتنا في نظر بعضكم خيولاً بلا أسرجة, وفي عيون أفريقيا السمراء أسرجة بلا خيول.. هذه المكونات جعلتنا نتفرَّد عنكم وعن لائحة المسرح في الوطن العربي والمسرح الإفريقي بتخليقنا لمسرح وأدب وفكر عبَّرعن هذه (السوداناوية) كحالة خاصة منذ بواكير القرن العشرين؛ في عروض مسرحية لها صليلها في خارطة الإبداع السوداني (شعراً وقصةً وروايةً وتشكيلاً وموسيقا). تجارب مسرحية تجاوزنا بها كثيراً من تراكمات ومتشابهات المسرح العربي الطوطمي, وكأنَّ تأثيرنا الفاعل في مايسمي بالحزام الإفريقي الممتد من جيبوتي شرقاً حتي بوركينا فاسو غرباً, وأصبحت خيولنا سروجاً فكرية عابرة للمستقبل, أصبحت سروجنا خيولاً مؤثِّرة في عميق القارة الإفريقية, وكل ذلك في لسان عربي مبين استوعبته كثير من المشاركات والمهرجانات (الضنينة ) والتي أتيح للفنان المسرحي السوداني المشاركة فيها رواداً أو أكاديميين أو شباباً.‏

لذلك هناك مسرح في السودان له تاريخه وفضاءاته وعناصره الذي تعلَّمته ودرسته في جميع جامعات العالم, ويكفي أن الراحل الدكتور أحمد الطيب هو أوَّل سوداني (دراماتورج) في الوطن العربي قاطبة ينال درجة الدكتوراه في المسرح العربي في نهاية أربعينيات القرن الماضي بينما كان المسرح في الوطن العربي يعيش جهالاته الأولى.. وعلي ذلك يمكن القياس.‏

- هل هناك عروض مسرحية لعبت أو عصفت بالحياة الاجتماعية والثقافية السودانية؟‏

- - وهل هناك عروض مسرحية عربية عصفت بالحياة الاجتماعية والثقافية في أي من الدول العربية.؟ ما نشاهده في المهرجانات هي عروض صنعت خصيصاً للإيهام والإبهام والتمويه, وما نشاهده خارج إطار المهرجانات والاحتفالات والكوكتيلات هي عروض كاملة الدسم تصنع موسمياً لأغراض تتعلَّق بأمراض الصيف والسياحة وداء الكلب, وليس العصف ببراكين الحياة الاجتماعية والثقافية العربية الساكنة دهوراً ودهوراً. نعم في السودان عروض مسرحية صادمت السائد والعادي, عبَّرت بوعي سياسي ودلالي عن مكنوناتنا وأحلامنا ورؤيتنا للحياة والكون, هذه العروض قُدِّمت في إطار مواسم منتظمة في مسرحنا (القومي ) وفي غيره من المسارح, في إطار مناهج وأساليب التجريب والطليعي والورش وعروض التخرج لطلاب أقسام المسرح في الكليات والمعاهد المتخصصة. هل تعلم أخي أنور أنَّ في السودان كليات وأقسام متخصصة في علوم المسرح تمنح درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه؟‏

أستطيع أن أقول إنَّ مسرحنا السوداني متقدِّم في طرحه مضموناً وشكلاً لأنَّه يتوسل بسودانيته لغة وتاريخاً وتراثاً وتصوفاً وإطاراً, وفوق كل هذا هو يتعالى أن يعصف بالحياة الاجتماعية والثقافية لأنه في الأصل هو الذي يصنع الحياة الاجتماعية والثقافية, ولأنه وببساطة (تقدمي) ومتجاوز ويؤمن بالآخر ويحبذ الحوار ويقترح النظر إلى أعلى.. إلى المستقبل حيث لا نهايات مغلقة.‏

- مع ذلك لا نسمع عنه شيئًا حتي في المهرجانات المسرحية العربية؟‏

- - المهرجانات المسرحية العربية تحكمها شبكة من العلاقات والفاكسات والأسماء السرمدية. أنا شخصياً تصلني دعوة شخصية من وزير الثقافة في العزيزة سورية منذ عام 2004م وألبيها بانتظام وبشوق كبير, ثم أقول كلمتي وأذهب. كثير من العروض السودانية التي شاركت بعد عنتٍ سواءً في تجريبي القاهرة أم في قرطاج أم الجزائر أم الإمارات كانت بصفة يحكمها الاتصال الشخصي, ثم الهرولة بين دواوين الدولة لكي يقتنعوا بضرورة المشاركة, أعطوك أو منعوك, وقد تشارك في آخر لحظة أو قد تعود من المطار كسيفاً. ورغم العروض القليلة التي شاركنا فيها على مدى العقود الماضية إلا أنَّها تركت بعد عرضها سؤالاً كبيراً وعارماً ومحبطاً في غاياته ولايشي بشيءٍ غير الضلالة الثقافية العربية. يسألونك بخبث إيديولوجي (ياه. أيُّها السوادِنة.. والله انتو بخير.. تعرفون المسرح؟.).‏

القضية إذاً أكبر وأعقد من مجرد المشاركة.. ولماذا نشارك أصلاً؟ لماذا لا تنتظم الحركة المسرحية في الوطن العربي في حراك مسرحي وعروض مسرحية مستمرة في القاهرة وتونس وبغداد ودمشق وجزر القمر. أقسام الدراما في الجامعات والأكاديميات دون أن ننتظر دعوة المهرجانات وعنت بطاقات السفر والسهر الجاف علي مقاعد الترانزيت.. لو تمعنت النظر تجد أنَّ جوهر المؤامرة هو أن تشارك ولكن ليس بشكل منتظم وتراكمي, لأنَّ المسرح السوداني للذين تأمَّلوه وشاهدوه نظراً وفكراً كالدكتور عبدالكريم برشيد وآخرين صادقين, يعلمونَ أنَّ المسرح السوداني هو الخيار الحقيقي؛ لأنَّه رفع الأقنعة واستعاض عن كواليس المسكوت عنه بالخروج منه، وعن المركب بالبسيط, وتعلم أنَّ البسيط بالإدراك الصوفي هو أعقد الأشكال وأقربها في ذات الوقت حميمية للإنسان, خلاص أزمة المسرح في الوطن العربي في كفَّة أيدينا, وإنَّما العاجز من لايستبد.‏

- هل تعتبرون أنَّ إدارات المهرجانات العربية تعمل علي تغييبكم؟ فلا نعرف إن كان في السودان مسرح أم لا؟‏

- - لست ميالاً لنظرية المؤامرة, لكن إدارات المهرجانات العربية أسيرة لإشاعات الفضائيات ودمامتها، فهم لايعرفون عنا غير دارفور والمانجو ومباراة الجزائر ومصر في أم درمان, بينما نحن نعلم عن الآخرين كل شيء لأننا نقرأ ونحلِّل ونقارن ونكتب ونطبع. في مشاركتنا في بعض المهرجانات نستصحب معنا دائماً مطبوعاتنا عن المسرح السوداني والثقافة السودانية والفكر السوداني, وأكاد أجزم أنها لا تُقرأ إلاَّ من قلَّةٍ قليلة, ليس لسوء طباعتها أو ورقها غير المصقول, ولكن لعمقها وجديتها وكثافتها المعرفية. وكما تعلم أنَّ مثقفي الوطن العربي كما قال عنهم لكع بن لكع: (ذعر الإنسان المثقف من علمه أنه إنسان، فيعدوه الخوف من الناس الآخرين أن يكتشفوا أنه ليس دابة، فيدب على أربعٍ إمعاناً في صون السر).. وإمعاناً منهم في التلاشي والتوهان يهربون بجلدهم منك وكأنَّ بك جرب. وصدقني لن يسمحوا لك بحضور المهرجان القادم لأنك مصادم ومشاتر. نحن مثل الحلاج عندما أيقن أنَّ الكلمة هي عقدة العقد, وهي كل جدل وكل مسعى.. فقالها: وخرجت الكلمة كما خرجت ثم توضأ بالدم وصُلب.‏

- هل أفهم أن الدولة تقصر أو تتآمر على المسرح؟‏

- - معلوم أنَّ أيَّ دولة مهما كانت إيديولوجيتها أو سياستها تتآمر على المسرح بالضرورة الحتمية، سواءً بالتقصير أم التدجين أم بجعله في أغلب الظروف ظاهرة صوتية، لذلك في كثير من الأوقات يتنفَّس المسرح إيديولوجية الدولة أو يتبناها قناعةً أو لتحقيق وجوده واستمراريته ككائن لا يعيش إلا في أجواء ومناخات الحرية ولا أقول الديمقراطية, لأن الحرية تُنتزع والديمقراطية تمنح. لذلك ومن غائب الاحتمالات أن يكون هناك مسرح متقدم لا يخون قضيته, فيستخدم الرمز والدلالات والكثافة ذات الجدوى والمعاني والصور المشرئبة نحو الأمان, وهو يقدم عروضه في ظل ديكتاتوريات عسكرية أو مدنية تحصي الأنفاس. لكن المسرح الحقيقي كما أعلم يتجاوز دائماً تقصير أو تآمر الدولة, عندما يرتفع بهامته فوق الدولة وفوق المؤامرة. المسرح لا تغتاله الدولة لأنها في كثير من الأوقات تحتاجه؛ المسرح ياسيدي يغتاله الدجالون والمهرجون وفعلة التجريب الفوضوي من رموز الهزيمة في تاريخنا الثقافي والسياسي.‏

- أنت بالذات ماذا قدَّمت للمسرح السوداني؟‏

- - قدمت أربعين سنة.. اسودَّ وجهي فيها وظهري انحنى. أربعون عاماً من التدريس على مستوى البكالوريوس والماجستير والدكتوراه داخل وخارج السودان وعلى مستوى المسرح في الوطن العربي والإفريقي وهذا قدري.كما قدمت للمسرح السوداني عشرات المسرحيات تمثيلاً وكتابةً ودراسة,وقدمت للمسرح السوداني من الكتب والدراسات العميقة مايتجاوز خمسة أعمال.وكتبت عشرات المقدمات المطوَّلة لكتبٍ وأبحاثٍ في غاية الأهمية العلمية. وشاركت في منتديات وتكلمت وتكلمت وتكلمت, ونهضت, وهرولت, وحزنت ويئست.. وفرحت.. وتفاءلت. إنني أتمثَّل قول سعد الله ونوس دائماً عندما قال: (إني مصرٌّ على الكتابة للمسرح, لذا أريد أن أدافع عنه وأقدم جهدي كي يستمر هذا الفن الضروري حياً). وأنا أحيا بالمسرح قراءة وكتابة, ويكفيني اللقب العلمي الذي خاطبتني به. لقد سهرت واجتهدت ونلت هذه الدرجة كأوِّل سوداني ينالها من أجل السودان والمسرح السوداني.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية