تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أضواءعلى الانتخابات التركية

شؤون سياسية
الأحد 13/5/2007
غالب حسن محمد

في بداية العشرينات من القرن الماضي حسم مصطفى كمال أتاتورك نهائياً وبالضربة القاضية اتجاه الأحداث في تركيا وأنهى المخاض السياسي الذي كان قد بدأ منذ سبعينيات القرن التاسع عشر بين الاتجاه الدستوري والذي كان يمثله (مدحت باشا)- أبو الدستور العثماني- وبين السلطان الأحمر( عبد الحميد) مروراً بانقلاب تركيا الفتاة عام -1908- على السلطان عبد الحميد, وقد تمثلت ارهاصات الإصلاحات الكبرى والتي أراد أتاتورك ( أبو الأمة التركية) أن يحدثها في المجتمع التركي وذلك خلال مجريات الحرب العالمية الأولى وتكالب الدول الغربية والقوى الاستعمارية على تركة( الرجل المريض) وقد استفاد كثيراً مصطفى كمال أتاتورك من الانتصارات التي حققها على القوى الأجنبية التي دخلت إلى تركيا وتمكن من هزيمتها واستطاع بحنكته وتحالفه في تلك الظروف الصعبة مع روسيا الجديدة تحصين وصيانة وحدة التراب التركي, الخارجي رأى أتاتورك أن الدولة التركية ولكي تجد لها مكاناً بين الدول القوية عليها أن تولد من جديد بمواصفات مدينية جديدة تقوم على أساس من العلمانية واستيعاب روح العصر, فكانت ولادة تركيا الحديثة في عام 1922 بعد أن ألغيت كافة مظاهر دولة السلطنة بالشكل والمضمون بعد أن استقرت الأمور وهزمت قوى التدخل فقد تم إلغاء الخلافة وكل ماكان يستتبع ذلك من علاقات سياسية وثقافية واجتماعية وتم فصل الدين عن الدولة- وحتى اللباس الشخصي كان له نصيب في هذا التحديث ومنذ ذلك التاريخ تعيش تركيا صراعاً بين تيارين الأول يحلم بالانتماء إلى أوروبا ويعمل على القطيعة مع الشرق الإسلامي الثاني الذي يرى بأن هوية تركيا لايمكن أن تتحدد بمعزل عن التاريخ والجغرافيا .

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وطيلة أربعة عقود من الحرب الباردة كانت تركيا تمثل الموقع الأطلسي الأهم في آسيا وهذا الواقع سمح لتيار التغريب الأوروبي في تركيا بأن يرفع سقف طموحاته إلى حد الحلم بالانضمام إلى العائلة الأوروبية, ولكن مع كل أسف ومنذ عام 1960 إلى الوقت الراهن مازال الحلم التركي بعيداً إن لم نقل مستحيلاً, وهذا ماكشف عنه غالبية رجال السياسة الأوروبيين بشكل واضح وجلي.‏

على الجانب الآخر يرى تيار كبير في المجتمع التركي أن الهوية الحقيقية لتركيا يجب أن تتكامل وتنسجم مع جغرافيتها ومحيطها ومع تاريخها أيضاً, ومن الأفضل (يقول هذاا لتيار) أن نكون في مقدمة الشعوب الإسلامية من أن نكون ملحقين وتابعين غير مرغوب بنا في الدول الأوروبية.‏

إن قراءة متأنية واقعية وميدانية لاتجاهات الرأي العام في تركيا في الوقت الحاضر, تبين بشكل واضح لا لبس فيه بأن الاتجاهين همامحور الصراع المحتدم حالياً على الساحة التركية, وضمن هذين الخطين نجد أن السيد رجب طيب أردوغان والاتجاه الذي يمثله قد ناور بذكاء وحنكة شديدين فهو يتبنى الإسلام المعتدل كنهج سياسي واجتماعي داخلي, هذا من جهة ومن جهة أخرى ما انفك يعلن ويصرح بالتزامه بالأسس العلمانية للجمهورية, يدعمه في ذلك أنه رئيس الوزراء التركي الذي انتزع موافقة الدول الأوروبية على البدء في مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وقد فرح الكثير في هذا الانجاز وبالغ آخرون في توصيفه حتى إن بعضهم وصف السيد أردوغان بأنه قد حقق ما عجز عنه السلطان سليمان القانوني في فتح أوروبا.‏

أنا شخصياً أعتقد أن مثل هذا المفاوضات بخصوص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لن تؤدي إلى نتيجة عملية مع أنها قد تستمر مئة عام أخرى.‏

هنا نستطيع أن نقول بأن السيد أردوغان قد نجح في الحركة السياسية وجمع بين خلفيتي الاتجاهين طرفي الصراع في تركيا, مايسمح له بإحداث إصلاحات تنسجم مع المشروع السياسي الذي يتبناه مع صديقه عبد الله غول, ولكن بالطبع هذا لايعني أن الأمور ستسير بهدوء كما يطمح حزب العدالة والتنمية, فالأسئلة السياسية والثقافية والاجتماعية في الداخل التركي ليست أقل تعقيداً من مسألة انضمام تركيا إلى البيت الأوروبي , فهل سيكون بوسع حزب العدالة والتنمية الإجابة المنطقية والمعقولة على مسائل من نوع احترام الأسس العلمانية للجمهورية وحقوق الإنسان, إضافة إلى قضايا المرأة والأحوال الشخصية والتعليم.‏

وينجح السيد أردوغان في التعامل من هذه القضايا الإشكالية بامتياز. حتى هذه اللحظة, يبدو أن الثقة التي يعبر عنهاحزب العدالة والتنمية تترجم شعوراً حقيقياً بالاطمئنان إلى المستقبل, وطرحه للانتخابات النيابية المبكرة يؤكد ذلك بكل وضوح, فلننتظر ماذا ستقول صناديق الاقتراع في هذه الانتخابات!!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية