تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فضاءات سايكو دراما التلفزيون

فضائيات
الأحد 13/5/2007
الياس الحاج

في لقاء قديم حميم حدثني البريطاني العجوز كاتب السيناريو والمخرج وأحد أبرز مديري إدارة الانتاج في استوديوهات هوليود ( كيث ويلمز)

أن الفكرة هي أول خطوة في أي نوع من أنواع الكتابة فأجبته:إنني أقول عادة في مجالس المهتمين بأجناس الكتابة وخاصة الدراما: عندما يعرف الكاتب الملهم ماذا سيكتب أسهل عملية عليه أن يشرع بالكتابة فورا فهل هذا صحيح? أجاب مبتسما: صحيح لكن ما لحظته في الكتابات المعروضة على الشاشات العربية ينقصها بعض الجوانب وأهمها ان يعلم كاتب السيناريو بأن الفكرة التي ينوي التعبير عنها في الكتابة هي التي ستخبره عما ينبغي ان يضعه من مخطط للقصة والقصة تدفعه باتجاه شخصياته لا كما ترجم لي عن شخصيات درامية حاولت أن التقطها وأتعرف عليها في نماذج عدة من الدراما السورية المتطورة نسبيا أو العربية بشكل عام والمقلدة لبعضها ضمن انماط تبدو لا تزال مراوحة في أماكن غير متطورة بالنسبة للفن الدرامي المتطور في العالم وهنا كان لابد من التنويه والتوضيح للسيد ويلمز منطلقا من الدفاع عن درامانا فأجبته: لكن القصة التي نعمل عليها نقسمها عادة إلى مراحل تؤلف الافعال الخارجية والداخلية والحركية في المواقع الجغرافية والأزمنة إلى ما هنالك من مراحل يتطلبها العمل الكتابي المهني والذي سينتج للشاشة منطلقا من بواعث فكرية واجتماعية محلية وهذا من وجهة نظري يعتبر خصوصية لدرامانا السورية وهي دراما تتنوع في عدة انماط تبعا لنظام السوق التجاري وأسلوبية استهلاكية خطط لها ونقلها الكاتب والفنان صورة وعلامة تلبية لرغبة المنتج.‏

عند هذا الكلام توقف السيد ويلمز متأملا ثم مبتسما وقال: إنها ليست مشكلة أن تعملوا للسوق التجاري أو حسب رغبة المنتج لكن المشكلة تكمن في التقليد والتكرار لأنماط الكتابة والاخراج والتمثيل إلى ما هنالك من عناصر مكملة وبالتالي انعكاس سلبي للأعمال التلفزيونية على المتلقي وهذا بكل تأكيد يلعب دورا سايكو دراميا في تراجع هذه الدراما فتشكل بنتيجتها خطرا على نفسية الجمهور بدلا من ان تدخل نفوسهم كالشعر الراقي المؤثر والعميق.‏

أسوق كلامي لأتوقف هنا مؤكدا فكرة السيد ويلمز حول ما نشاهده اليوم من اعمال درامية عديدة على مختلف قنوات الفضائيات العربية والتي بدت تعكس فضاءاتها السايكو درامية أشكالا وانماطا سلبية هيمنت على ذهنية ونفسية الكثير من المشاهدين مخترقة الأسس والتقاليد الثابتة في صناعة عمل درامي يحقق حالة التواصل والارتقاء بالمشاهد إلى مكانة تحقق أهدافها الايجابية وخاصة تلك الاعمال التي يحكمها التسويق لفكرة باتت مملة حول أهمية انتشار الاعمال والمنافسة على حساب المنتج الثقافي الاجتماعي المثمر والذي يفترض أن يشكل كنتيجة اخيرة ذلك التواصل الفكري والإنساني العميق والامتاع البصري الجمالي من خلال شاشة التلفزيون.‏

تبعا لذلك أجد أن ما ينتج ويعرض على شاشات التلفزيون في أيامنا سبب تراجع الانتاج العربي وخاصة السوري بعد فورة بدت خلالها العديد من الاعمال الدرامية كقصيدة نثرية بصرية في تعدد أوجه بعدها النصي والفني وبتنوع ايقاعاتها وألوانها الملحمية أو الاجتماعية الحسية والنفسية (السايكو درامية) وهي تتسربل بحوارياتها ورؤاها البصرية وكأنها حالة شعرية راقية وعميقة وهنا نعود للسؤال القديم الجديد: إلى أي حد يمكن أن تكون فضاءات الدراما التلفزيونية حالة شاعرية وشعرية بسيطة تمتلك حواراتها البلاغة في الدلالة والصورة وبسلاسة تبتعد عن الاستعراض بالكلمات واللقطات المجانية وهل يمكن أن يتحول النص الدرامي الحواري إلى شعر مصور يتدفق بلقطاته وكلماته كروح تعشق جسدها قادرة على ترك اثرها العميق في نفوس متلقيها على عكس ما هو عليه الحال مع معظم درامانا العربية التي ما إن تنتهي من عرضها حتى تتلاشى كسجل لا ذاكرة له وكأنها فقاعات صابون اطلقت في فراغ الفضاء? أترك الاجابة عند صناع درامانا لعلنا وجدناها في اعمال قادمة تحمل مسؤولية المتلقي اكثر من التسويق والانتشار وارضاء رغبة المقلد للمنتج الدرامي بهدف الربح على حساب المشروع الابداعي وأثره السايكو درامي على جمهوره.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية