«من أين تجيء قوة دمشق في بناء التاريخ؟!».
لم يكن سؤال «الكعبي» إنكارياً، وإنما جاء في فصل الإعجاب والدهشة والتأكيد على أن دمشق ممسكة باللحظات التاريخية التي تجعل الأمة في موضع الأمل لبناء زمن ألق متوهج.. وهذا ما فسره كلامه فيما بعد، وسأسمح لنفسي بعرض بعضه: «نجح الرئيس بشار الأسد في مواجهة الضغوط والتحديات الاقتصادية والإعلامية والسياسية والعسكرية والتهديد بكل قسوتها وحقدها، هذا النجاح، يؤكد أننا أمام قائد استثنائي.
كنا في العالم العربي بعد غزو العراق نمسك قلوبنا خوفاً على دمشق، لو أن تلك التهديدات والتحديات واجهت أقوى قوة في العالم لانهارت، دمشق لم تجزع ولم تهن ولم يصبها التصدع كما تصور الأميركان، وإسرائيل وآخرون، ظلت ممسكة بثوابتها العروبية والقومية، قوية، صبورة، متحدية، لديها إرادة وقوة عزيمة وصلابةة رأي، بفضل صمود وحنكة وصلابة الرئيس بشار الأسد على مختلف الأصعدة، فقد أعاد لدمشق حيويتها ومحوريتها وقدرتها على الإمساك بدفة قيادة العمل العربي».
ثم قال «الكعبي» يد الله مع هذا الرجل، ومن ينصر الله ينصره.
قلت: «ويد الشعب أيضاً معه».
وتابعت يقول باترك سيل: «دمشق تمتلك قوة بناء التاريخ، لأن الخصوصية السورية، ظلت على الدوام مشدودة ثقافياً ونضالياً واجتماعياً إلى حلم بناء الأمة».
ثم قلت له: «سأعود إلى سؤالك المهم:
من أين تجيء قوة بناء التاريخ في دمشق؟
في لحظة رحيل حافظ الأسد كان ثمة سؤال في العالم العربي وفي العالم يدور حول «ماذا بعد حافظ الأسد؟!».
في السياق نفسه سأل الكاتب والفيلسوف الفرنسي فرانسوا ريفيل:
«ماذا يا ترى ينتظرنا عندما يرحل الرجال الاستثنائيون».
سؤال «ريفيل وكل الأسئلة القلقة الأخرى على مستقبل سورية بعد الراحل حافظ الأسد، لم تأخذ الإجابة عليها زمناً طويلاً، الشعب العربي السوري بحكم خصوصيته الثقافية والقومية والنضالية أدرك خطورة ما حدث، وأهمية الخروج من الصدمة، فتحرك بحسه الوطني والقومي بين دمعة الحزن وابتسامة الأمل، معلناً الدكتور بشار الأسد رئيساً وخلفاً للقائد الراحل حافظ الأسد.
إنها المرة الأولى في التاريخ يختار فيها شعب قائده بقرار شعبي أي من غير قرار جهات تنفيذية أو تشريعية أو حزبية.
بعد مضي سنوات عشر، يؤكد التاريخ صوابية قرار الشعب السوري باختيار الدكتور بشار الأسد رئيساً وقائداً، فالأحداث الصعاب التي امتحنته، أظهرت أنه القائد الصلب الشجاع الحكيم والذي يختزن إرثاً قومياً عروبياً، القائد الذي لا يساوم على كرامة الأمة وعلى كرامة الوطن والشعب، وأنه يمتلك مخزوناً فكرياً يمنح مواقفه السياسية والثقافية عمقاً كبيراً لا نجده لدى قائد آخر.
منذ عام 2000 وسورية تتجاوز أزماتها الواحدة بعد الأخرى.
ثلاث خصائص مهمة كانت وراء هذا النجاح:
الأولى: وجود شعب مؤمن بعروبته وبنهج قيادة الرئيس بشار الأسد، فالذين راهنوا على تفكك العلاقة بين الشعب والنظام دحروا ودحرت تقديراتهم ومراهناتهم، فالشعب السوري زاد من قوة التفافه وتمسكه بقيادته.
والثاني: «وجود حزب قومي عروبي، يمتلك مشروعاً نضالياً في مواجهة المشروع الأميركي الصهيوني، يمثل ضمير وحلم ووعي ونضال الجماهير في سورية وفي العالم العربي.
والثالث: «الرئيس بشار الأسد، فقد رفض أن يساوم أو يراهن أو يهادن أو يلين أمام التهديدات الأميركية والصهيونية وكل محاولات الهيمنة والحصار والضغوط.
يقول الرئيس بشار الأسد: «لو كان هناك مساومة على المقاومة في لبنان، لو كان هناك مساومة على الانتفاضة، لو كان هناك مساومة على استقلال العراق، وعلى كرامة أمتنا لما كان هناك لنا أي مشكلة مع هؤلاء، ولما تحدثوا عن خطأ في التقدير هنا أو هناك، يعني لو أن سورية أخطأت لما هاجموها.
طوال عشر سنوات تعرضت سورية لتحديات كبيرة وقاسية ومصيرية لو تعرض لها أي بلد في هذا العالم، لأصابه الوهن وانكسرت صلابته، سورية بعكس كل التوقعات والقراءات التي مارستها القوى المعادية، ازدادت صلابة وقوة، وازداد التفاف الشعب حول قيادته، وبدا الرئيس بشار الأسد في وسط تلك العتمة التي تلف العالم العربي الضوء الذي يبدد هذه الظلمة.
يقول النائب البريطاني جورج غالاوي:
«إن دمشق اليوم في ظل التحديات الكبيرة والصعبة آخر قلاع العروبة» ويرى أندرية لافونتين رئيس تحرير صحيفة اللوموند الفرنسية: «إن الرئيس الراحل حافظ الأسد كان تفرغ لهندسة التاريخ.. وأن الرئيس بشار الأسد اليوم يمتلك قوة استثمار الرياح السياسية».