فمن حيث الشكل الكتابة حضرت بخطّ كبير جداً غطّت كل الواجهة وفي المضمون فإن ما كُتب هو: « عفواً.. المحل مغلق بسبب خدمة الوطن، سنعود منصورين بإذن الله».
أُصيب للمرّة الثالثة في هذه الحرب الكونية، وبعد أن هنأناه بالسلامة سألته: وماذا بعد؟ فقال: حتى الآن لم يكتب الله لي الشهادة وفي كل مرة أصاب بها أزداد إصراراً على المتابعة حتى النصر، إرهابهم لن يخيفنا وهم جبناء والغدر طبعهم وكل ما يملكون.
مواطن طيّب لا يعرف من هذه الدنيا إلا أرضه وعمله بها قال لنا: نحن في منطقة حدودية ويحاول المرتزقة التسلل إلى أطراف قرانا ولكننا نقف مع الجيش العربي السوري وحرس الحدود صفاً واحداً ولهذا باءت كل محاولاتهم بالفشل وهذه الأرض التي ركضنا فوقها صغاراً وأكلنا من خيرها لن تكون لغيرنا بإذن الله.
شخص آخر قال: لديَ ولدان هما كل ثروتي في هذه الحياة استشهد أحدهما منذ أيام قليلة والثاني مع رفاقه حماة الديار في حلب، فسألته: هل تفكّر بسحبه من خدمة العلم كونه أصبح وحيداً فردّ مستغرباً: والله لو عندي عشرة أولاد لقدّمتهم جميعاً للوطن.
دقّت بابنا بعد العاشرة مساء تسألنا عن حقيبة سفر فولدها سيلتحق صباحاً بخدمة العلم سألتها: أأنت حزينة على فراقه فقالت بلهجة الأم الواثقة: سورية أمهم ولن يغادروا حضنها وهي رؤوفة بهم أكثر منّا، الله يحميهم..
مع أن سحب المطر حباله من فوق قريتنا حتى نزل أبو محمد وزوجته إلى «الحاكورة» يحفرانها ويزرعانها بصلاً وفجلاً وسلقاً وعندما سألتهما لما كل هذا قالا: غداً يعود الأولاد من الجيش فيفرحون بهذه «الزريعة» فهم يحبون البصل الأخضر الذي نزرعه في «الحاكورة».
هذه عينة من أناس طيبين جداً وعاديين جداً، لم يدرسوا السياسة ولم يتعاطوا الحكم والسلطة، كلّ ما يؤمنون به سوى الله عزّ وجلّ هو وطنهم واستعدادهم غير المشروط للتضحية في سبيله، أبعد هذا يسأل المتآمرون عن سرّ صمود شعب سورية؟