انهمرت سعيدة، بينما أطفال يحملون شموعاً ويتهادون فوق الخشبة. من جهة أخرى تتقدّم صغيرة وتشعل شمعة إضافيّة، وترحّب بالحاضرين والضيوف القادمين من أماكن بعيدة، متمنّية للجميع حالاً زاخرة، طيّبة، مفيدة، ممتعة، متفاعلة مع روح المسرح، ونبضه الصادق، فيعبق الجوّ بدفء خاص من المحبّة والمودّة والحميميّة.
حركة الصغار وأغانيهم نشرت في الصالة بهجة غسلت الأعماق، وأخرجتها من ركودها. قال رجل سبعيني:
- هؤلاء الأطفال هم إشراقتنا المقبلة.
هذه الشهادة أضافت زخماً إلى وجودنا، وأعطت مؤشراً ودليلاً لأهميّة هذه المبادرات التي يسارع إليها المهتمّون الغيوريون على مصلحة سورية، وإخراجها من وجعها وحزنها. ثمّة أفكار ناضجة طُرحت لتخاطب الوجدان العربي وتخرجه من خذلانه. أفكار متفاوتة الإرهاصات متباينة المداليل. أفكار متقاربة الإسقاطات، تصب كلّها في مصبّ واحد، تلتقي الهموم والمشاعر والأسى العام، فتغضّ الصالة بحضور كبير، متنوّع، مدهش بمناقشته ودراسته وتحليله. لقد أغنيت القصّة أيما إغناء كتابة وإخراجاً وتمثيلاً، وفرضت نفسها معافاة صالحة كبرهان يقول للعالم: إننا موجودون رغم كلّ شيء، ورغم المعوقات والصعوبات القائمة. تشعّبت المقولات حول العرض، وفرشت قناعات المشاهدين على طاولة النقاش، كلّ حسب مرجعيته، وكلّ حسب أرضيته ومخزونه ودرجة وعيه وثقافته. استفسار من هنا، وردّ من هناك. تجاذب وتنافر. أخذ وعطاء. حوار استفاد منه الجميع، وخرجوا منه بعبر إيجابيّة أضافتها الندوة التي أعقبت العرض الطفلي.
هذا العمل ما هو إلاّ وقفة مع الذات تختزل جهود القائمين، وتجسّد مفهوم الحب والتفاني للمسرح ، وتترجم الأبعاد الإنسانيّة والحضاريّة للتعامل مع فن لم يكن أباً للفنون إلاّ انطلاقاً من معطيات حقيقيّة، واستناداً على أساسيّات ثابتة وراسخة وقديمة قدم التاريخ الذي أرّخ له، وأعطاه هويّته، إيماناً منه بتطوير الشعوب التي أحبته، وأقبلت على مناهله تنشد المعرفة والمتعة معاً، متفاعلة لا منفعلة، واعية لا منساقة. تدرك مالها وما عليها تجاهه، تقدّر التعب الكبير الذي يبذله الكادر المسرحي من أجل عرض مدّته ساعة من الزمن تزيد أو تقلّ، بدءاً بمن يحتضنه ويدعمه.. مروراً بالمخرج والكاتب والممثل وصانع الديكور، ومنفّذ الإضاءة، وانتهاء بالشخص الذي يرفع الستارة. هذا بالنسبة إلى عروض الكبار.. فكيف هي الحال إذا ما كانت العروض مقدّمة للأطفال؟!..
بالتأكيد المسألة أكثر خطورة وحساسيّة، وأشدّ صعوبة، على عكس ما يظنّ بعضنا، أو يتوقّع.