تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


خيرات السماء تحتضنها الأرض العطشى

مجتمع
الخميس 16-10-2014
غـانـم مـحـمـد

لم تكن بذار «الخبيزة» وسواها من الأعشاب تنتظر أكثر من رشّة خير تجود بها السماء على أرض طال عطشها وانتظرت هذه الهبة بفارغ الصبر فشقّت طريقها إلى الضوء تختال بخضرتها وتحاط بفرح الناس بها وكأن الحياة تولَد من جديد لا في هذه النبتة الغضّة وحسب بل وفي قلوب جميع الناس..

خرجت أمي ومثلها الكثيرات من نسوة أيام الذهب إلى الحاكورة، هذا المسكب للفجل وذاك للبقدونس وثالث للسلق ورابع للبصل الأخضر، وعلى الأطراف لا بأس ببعض شتلات الملفوف والزهرة والخسّ فالعيب كبير من وجهة نظر هؤلاء النسوة أن يشترين مثل هذه الأمور إذا ما توفرّت لهن بضعة أمتار مربعة بجوار البيت، ولا ينسين أن يغمزن من كنّاتهن لأن هؤلاء «الكنّات» لا يعرفن كيف يتدبرن مثلهن ويوفرن على أزواجهن مبالغ لا بأس بها لشراء مثل هذه «الأساسيات» في فصل الشتاء...‏

لا أحداً منّا يستطيع أن يتذكّر بماذا كان يفكّر للتوّ قبل أن يخلد للنوم، لحظة الانتقال من الصحو إلى النوم هي لحظة غامضة لدى الجميع، ربما تتذكّر قبل أن تغفو بنصف دقيقة أو أكثر أما لحظة الانتقال إلى عالم آخر فهي من عالم الغيب.. ليجرّب كلٌّ منكم أن يستعيد ذاكرته لهذه اللحظة فسيكتشف أن ما نقوله صحيح.. لا نورد المعلومة هنا لمجرد ذكرها بل لدلالتها فكما أن النوم هو موت مؤقت فكذلك لحظة الموت الحقيقية هي بيد قادر مقتدر وفي كلتا الحالتين هناك الكثير من العبر والقليل من المعتبرين فهل نكون من هذا القليل؟‏

بين مقدمة المفارقات التي عرجنا عليها ومعلومة النوم أو الموت المؤقت التي خطرت ببالنا وومضت في وعينا، هناك قاسم مشترك وهو الوعي والذي يأخذ صوراً متدرجة من البساطة إلى ذروة التعقيد وما يلزمه هذه الوعي من تجهيز «الزوادة» كما يقولون للمرحلة التالية، من المعتاد على سبيل المثال أن تنظف أسنانك قبل النوم حتى إذا ما أطبقتَ الجفن تعلم أنك أخذت الاحتياطات اللازمة والتي تحول بينك وبين أن تتكاثر في جوف حلقك جراثيم قد تأتي على صحتك، وإذا ما بدأ أحدنا بالعدّ العكسي في حياته ورحلة عمره ربما يتذكّر الآخرة فيراجع نفسه ويتوب ويقوم بما تفرضه عليه مرضاة ربّه وقد «لا يلحق» بعضنا فيكون قد نسى أن ينظّف اسنانه قبل النوم أما ما علاقة ذلك بزراعة الخسّ والسلق والبقدونس وغير ذلك فإن ذلك واضح وجليّ لمن به ذاك الوعي الذي أشرنا إليه، فعندما يحين موعد الطعام وتدفع ثمن هذه الأشياء الشيء الفلاني تقول يا ليتني زرعتُ القليل من كل نوع لوفرتُ ثمنه الآن ولوجدتُ راحة الجيب ولو عند تناول الطعام فقط..‏

لنراقب كبارنا ونتعلّم منهم ولو الشيء اليسير الذي يعيننا على «تمشاية الحال» في ظلّ دخل لا يكفي لبضعة أيام، راقب أبيكَ أو جدّك، هل يلقي ولو بـ«برغي» إلى القمامة؟ هل تدري أن سعر برغي صغير هو عشر ليرات سورية؟‏

هي مجرد تفاصيل لكنها هي في ذات الوقت حقيقة العيش كلها، هي تفاصيل بين أيدينا ولا تحتاج إلى دراسات عليا للحصول عليها ومع هذا نادراً ما نستفيد منها..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية