تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«أبو ريشة»:الشـــعر لايولد فـــي الصقيــع أبـــداً..

ثقافة
الخميس 16-10-2014
 هفاف ميهوب

«إن عملية الشعر شاقة وعسيرة, ولابدَّ لها من الاحتراق بنارِ الحزنِ ومباهجِ المسراتِ في أعماقِ الفؤاد, وبمعنى آخر, فإن الشعر لا يولدُ في الصقيعِ أبداً, وإنما ينبجسُ من لهيبِ الاحتراق, وتأتي بعد ذلك, القدرة على الإبداع في أُطرٍ فنية تنقص أو تزيد,

وأسطعُ برهان على ذلك, ما قالهُ شاعر فرنسا المعاصر «لويس أراغون» وهو: «في طورِ الكتابة الشعرية, أشعر وكأن جزءاً مني يحترق ويتعالى منه الدخان, وعبر هذه المحرقة تنطلق الكلمات. ألا تستنشق عندما تقرؤها رائحةَ جسدٍ ما؟»..‏

كلماتٌ, اعتبرها الشاعر «عمر أبو ريشة» الذي بدأت شهرته في منتصف الثلاثينيات, إنذاراً إلى الشعراء الشباب المحدثين, وهو الإنذار الذي وجَّههُ بعد أن كبرَ وشعر بأن من حقه وباعتباره «شاعر الشباب» أن يدعوهم لما عليهم أن يستمعوا له, بل ويسيروا على ما رسمه لهم في عملية الشعر الذي وجدهُ قد تحوَّل من إبداعٍ إلى كتاباتٍ في سراب.‏

إذاً, كان «أبو ريشة» غاضباً من الشعر الحديث؟. نعم, كان غاضباً, وإلى الدرجة التي جعلتهُ يشنُّ حرباً لا هوادة فيها على هذا الشعر, ليطالب بعدها, بإيقاف ما أفسدَ الشعر وخلَّصهُ من قدرتهِ التعبيرية وألفاظه الإبداعية.‏

إنه الإفساد الذي ألقى اللوم على مسبِّبيه وخصوصاً, تلك الصحف التي تدعم وتنشرُ لمن لم يسمِّهم شعراء وإنما «شواهد قبور» يساهمون في إسقاط الأدب العربي, ويشكِّلون ماكتبَ عنه:‏

«يقيني أن الوعي المُضاد شمل مختلف الميادين, وكمثالٍ فإن الشعر الحديث بات «موضة» العصر, ولكنه لا يستهوي أفئدة الناس إلا نادراً, والنادر لا حكم له, فلماذا التمادي فيه, وهلا أقلعنا عنه مكتفين بالزي القديم, الذي يلائم أذواقنا ويُلهب مشاعرنا؟».‏

لاشك أن «أبو ريشة» وفي يقينهِ هذا, كان مدافعاً شرساً عن الشعر العربي القديم, وبأوزانه وقافيته وموسيقاه, وسوى ذلك مما جعل العرب يتفوقون في مضمار الشعر على جميع الأقوام. يقول هذا عن الشعر القديم, ليعود ويحذِّر من الإقبال على الشعر الحديث, معتبراً إياهُ «مجرد رصفِ كلمات. تماماً كما رصفِ الحجارة» وبأن «المعنى في قلب الشاعر الذي يظلُّ الشكل لديه معلقاً في الهواء بلا ضابطٍ. فلا وزن ولا قافية, والكذبة الكبرى هي أن يُطلق عليه اسم الشعر».‏

بيدّ أنه, وفي إنذارهِ هذا, لم يكن ليعلم بأنه لن يجد آذاناً صاغية تورِّث ماسمعته منه لأجيالٍ من شعراء الحداثة, وبدلالة ما نعيشهُ في عصرٍ يتباهى فيه الشعراء بإطلاقِ مالا يفهمه حتى الفقهاء, وخصوصاً لدى من لا يزالون يحفظون ويعرفون الشعر, عن ظهرِ خبرة وتمرّس.‏

إذاً, ماعلينا وفي هكذا حال, إلا أن نقول, بأن ماتساءل عنه هذا الأديب والشاعر, يستحق أن نكرّره مردِّدين: «إلى أين المصير؟». السؤال الذي طرحهُ متابعاً: «في العالمِ المتمدن, لا يوجد شاعر واحد معروف سمح لنفسه أن يحيد قيد أنمله عن تراثه, بل لعله جهد بأن ينبش فيه. إذاً, أنستبدلُ نحن تراثنا, لنكون كأمةٍ تعيش في العراء؟»..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية