هذه الأسئلة واسئلة أخرى أجاب عليها المسرحي الكبير فرحان بلبل خلال محاضرة ألقاها في الجمعية التاريخية بحمص بعنوان «من تاريخ المسرح في حمص» سنذكر بعض ما ورد فيها: قبل الحديث عن المسرح في حمص لابد من التنبيه إلى نقطة، فكثيراً ما غفل الدارسون عنها, وهي أن المسرح العربي لم ينشأ لحاجة ثقافية وإنما حاجة اجتماعية ثقافية, فهو ابن عصر النهضة وأحد أهم أركانها، ومن هنا نفهم سرَّ العلاقة بينه وبين الناس في كل أرجاء الوطن العربي, فما دام يتناول قضايا الحياة ومشاكلها الاجتماعية والفكرية والسياسية فإن الناس يقبلون عليه ويدافعون عنه ويطلبونه..
فليس المهم عند الناس أن تتكامل جماليات العرض المسرحي إن لم يكن موجهاً لهم غائصاً في جوانب حياتهم..
وقد بدأت حمص نشاطها المسرحي الفعلي منذ عام 1870، أي قبل القباني بعامين أو ثلاثة، وقد أصاب هذا النشاط توقفات قصيرة لكنه استمر حتى الحرب العالمية الأولى، فكان خلال خمسة وأربعين عاماً موئل النشاط المسرحي بعد توقف القباني فحمل شعلة المسرح السوري.
في عام 1860 قدَّم الحاج سليمان صافي في حديقة بيته عروضه المؤلفة من شخصين أو ثلاثة يتحاورون على طريقة ما كان معروفاً في المسرح الأوروبي. لكن هذه البادرة الأولى التي ظهرت على استحياء توقفت بسرعة مبتورة بسبب غضب الناس (لأنه كان يُلبِّس الصبيان لباس البنات ليقوموا بأدوار أنثوية)، واستمر هذا التوقف حتى عام 1870 حينما ظهر الشيخ عبد الهادي الوفائي الذي تصدى للكتابة المسرحية وإحياء النشاط المسرحي.
ولم يكن ذلك غريباً على حمص أن تلد وتحتضن المسرح السوري، وأمكن لها أن تلد خلال أربعين عاماً(من 1870إلى 1911) أربعة كتاب مسرحيين كتبوا أكثر من خمسة وعشرين نصاً مسرحياً، وسوف نتناول بالحديث الكتاب الأربعة:
- الشيخ عبد الهادي الوفائي قدم بين 1870 و1880 خمس مسرحيات هي: (نسيم - رعد - كوكب الإقبال - درغام - أبو حسن). وقد مُثِّلت كلها، وأقبل عليها أهل حمص إقبالاً شديداً، وخُصِّص ريعها للمشاريع الخيرية في المدينة، ولم يلق الوفائي عنتاً من أهل حمص كما لقي سليمان صافي قبله بعشر سنوات.
- داود قسطنطين الخوري ولد في حمص عام 1860 نرجح أنه رافق القباني إلى مصر لعدة سنوات، ثم عاد إلى حمص عام 1888 وهو في ذروة شبابه ورجولته. فأخذ يمارس تدريس الرياضيات والموسيقى في المدارس الأرثوذوكسية، مستعيناً على تدريس الموسيقا بصوته الجميل، وفي عام 1890 اتجه الخوري نحو المسرح، وقد كتب بين عامي 1890 و1891 سبع مسرحيات هي: (جنفياف - اليتيمة المسكوبيَّة - الصُّدَف المدهشة..). بالإضافة إلى عدد كبير من الروايات الصغيرة والمشاهد الهزلية التي ضاع أكثرها.
- يوسف شاهين: لم يكن له باع طويل في المسرح، فقد ظهر مع الخوري في عام 1890، وقدم لطلاب المدرسة الأرثوذوكسية (الملك كورش). وقد وضع ألحانها داود قسطنطين الخوري.
- الشيخ محمد خالد الشلبي: وكتب بين عامي 1900 و1911 المسرحيات التالية: (وفود العرب على كسرى - سليم وسلمى - نجم الصباح - ربيعة بن زيد المكدَّم..)، ورصد الشيخ الشلبي ريع مسرحياته لإنشاء المدارس.
في عام 1919توقف المسرح في دمشق، أما في حمص فاستمر بقوة حتى الثورة السورية الكبرى عام 1925، قدم النادي العربي 1919عشر مسرحيات وطنية.
وأخيراً تميزت الأمسية بحضور لافت من مثقفي حمص وأغلبهم من أعضاء الجمعية التاريخية بحمص.